للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كيف تعملون. اتقوا الدنيا، واتقوا النساء. ألا لا يمنعن رجلا مخافةُ الناس أن يقول الحق إذا علمه. . . قال أبو سعيد ولم يزل يخطب حتى لم يبق من الشمس إلا حمرة على أطراف السعف، فقال: (أنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إلا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى)،

والمأثور من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم خطب وكتب وأحاديث، وكلها تتسم بالإلهام والإبداع والعبقرية، وتمتاز بالجزالة والجلالة والسبك. وهو في بعضها يستعمل الغريب ويلتزم السجع تبعاً لما جرى على ألسنة الوافدين عليه من مختلف القبائل. من ذلك حديثه مع طهفة بن أبي زهير النهدي، ومع لقيط بن عامر بن المنتفق، وذلك من حسن أدبه وسمو بلاغته وقوة تأثيره.

وللرسول قدرة عجيبة على التشبيه والتمثيل وإرسال الحكمة وإجادة الحوار. وتلك ميزة الرسل من قبل، لأن المرسلين في مقام المعلمين، وأنجح ما يكون التعليم إذا كان على طريقة التمثيل والمحاورة، كقوله عليه السلام: (إن المنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. المؤمن هين لَيَّن كالجمل الأنف إن قيد انقاد، وإن أنيخ على صخرة استناخ. أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. لو توكلتم على الله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً. إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم. إياكم وخضراء الدمن: المرأة الحسناء في المنبت السوء. المرأة كالضلع إن رُمت قوامها كسرتها. الناس كلهم سواسية كأسنان المشط. جنة الرجل داره. ومن روائع تشبيهاته عليه السلام قوله: إن قوماً ركبوا سفينة فاقتسموا، فصار لكل رجل منهم موضع. فنقر رجل منهم موضعه بفأس؛ فقالوا له ما تصنع؟ قال هو مكاني أصنع فيه ما أشاء. فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا.

والسفينة التي ضربها الرسول مثلا هي اليوم دنيا الإسلام والعروبة، تقسمها الإخوان والبنون في عهود الضعف والانحلال فصار لكل منهم وطن ودولة، ولكن هذه الأوطان المتعددة تجمعها دنيا واحدة، كما تجمع السفينة مواضع الركاب؛ فكل وطن وإن استقل بنفسه مرتبط في قوام حياته بغيره؛ فهو حري ألا يوبق بحريته الوطن الجمع حري ألا يُغرق في عبابه الوطن المفرد. وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم بما آتاه الله من ألمعية الذهن وإشراق الروح كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، فضرب هذا المثل لجامعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>