للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأسبان أن يهادنهم هذا الأسد ويفاوضهم ولا شك. ولكنه لم يفعل. فمعنى ذلك كما فهمناه وكما فهمه الناس هو أن أسد الريف يرى رأياً واحداً هو أن (لا مفاوضة إلا بعد الجلاء والاستقلال)، ولذلك احتمل، وصبر صبر المؤمنين الذين لا يفتهم عن الحق عذاب ولا نفى ولا تشريد. وإذا لم يكن الأستاذ العلمي قد فهم هذا من بطولة أسد الريف، فليحدثنا إذن ما فهم؟ وفيم كان صبر أسد الريف وبطل العرب على البلاء الغليظ عمراً طويلا تحيا فيه رجال وتموت رجال؟ وفيهم كان جهاده وقتاله واحتماله رؤية أبنائه وهم يسقطون في ميدان الوغى بين يديه؟ أفعل كل ذلك ليفاوض، فيأخذ شيئاً ويغضي عن أشياء؟ حاشا لله.

أما الأستاذ محمد بن الحسن الوزاني، فأنا لم أرده بإساءة كما أراد الأستاذ العلمي أن يقول، بل كان كل كلامي منصباً على المبدأ الذي جاء في المذكرة المرفوعة إلى القيم الفرنسي الجنرال جوان، وهو مبدأ المفاوضة في الاستقلال، وهو مبدأ فاسد لن يسكت قلمي عن هدمه وتقويضه، ولو قال به أعز الناس علي وأكرمهم في قلبى، وهو عندي مذهب أقلية، ولو قالت به أمة بأسرها. وسأبقى ما حييت أدعو الأمم التي ابتليت بالاستعمار إلى مبدأ واحد هو أن (لا مفاوضة إلا بعد الجلاء والاستقلال)، فهو عندي مذهب أكثرية، ولو لم يقل به إلا فرد واحد طريد شريد لا يجد في الأرض مكاناً يؤويه، أو عشيرة تنصره، أو أذناً تسمعه. وكل حزب يدعو إلى المفاوضة، فهو عندي حزب بغير شعب ولو تبعته الجماهير المضللة، وكل زعيم يدعو إليها فهو زعيم بغير شعب، وأن استطاع أن يجمع الألوف تصرخ من ورائه مؤيدة وناصرة. وقد كتبت هذا مرات في قضية مصر والسودان، وفي قضية العراق، وفي قضية الهند. فكل ما جاء في كلامي عن حزب الشورى والاستقلال، فهو مبني على هذا الأصل، وأظن أن الأستاذ الوزاني يعرف هذا مما قرأه من كلامي منذ قديم، وأظن أنه فهم من كلامي عنه غير الذي فهم الأستاذ العلمي، وأظن أنه لم بغضب حين قرأ ما كتبت مثل الغضب الذي احتمل الأستاذ العلمي حتى كتب ما كتب، ما كان ينبغي أن ينزه عنه قلمه البليغ الجريء.

وأنا أختم هذه الكلمة بأن أدعو صديقي محمد بن الحسن الوزاني إلى صراط الحق، إلى أن (لا مفاوضة إلا بعد الجلاء والاستقلال)، وأتوسل إليه مرة أخرى أن ينسي نفسه، وأن يملأ قلبه إيماناً بالحق الأعظم، وهو حق شعبه وبلاده في الاستقلال والحرية والكرامة، ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>