للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الطغيان المنتقم، وكانت المجازر البشرية الكبرى التي شهدتها فاس وسلا والرباط وغيرها من المدن والقرى المراكشية.

ولكن ذلك كله لم يكن غير وقود ألهب عزيمة المراكشيين وقوى إيمانهم. وكانت محنة امتحن بها صبر هذه الأمة المجاهدة المكافحة فاجتازت الامتحان وخرجت منه وهي اصلب عوداً وأقوى شكيمة وأشد مراساً.

ولم تكن المحنة التي ابتليت بها الأمة المراكشية محنة الشعب وحده، ولكن جلالة ملكها الشاب كان أول من خفق قلبه لما يبيته الفرنسيون لشعبه؛ فأعلن تأييده لوثيقة الاستقلال، ووقف مع أمته يكافح لتحقيق الحرية والاستقلال، ويتزعم الحركة بنفسه، فيدفع عنها الأذى، ويلتف الشعب من حوله فيعلن رئيسه الأعلى إرادة أمته في شجاعة وعزم وإيمان، على رغم ما تعرض له جلالته من تهديد، وما حف حول العرش العلوي من أخطار. ولكنه الإيمان - الذي امتلأ به قلبه الكبير - بحق بلاده في الحياة الحرة الكريمة دفع به إلى الميدان، حيث واصل جلالته الكفاح إلى أن زار مدينة (طنجة) لا ليؤكد وحدة مراكش فحسب، ولا ليتصل بشعبه في شمال البلاد فقط؛ ولكن ليعلن للعالم كله أيضاً أن مراكش تريد أن تستقل، وأنها بلاد عربية مسلمة ستربط مصيرها بالبلاد العربية في الشرق، وستعمل جاهدة على أن تنال حريتها وتحافظ على استقلالها. وبذلك تزعم المليك المحبوب الفكرة الاستقلالية. ويكفي أن يتزعم المليك الحركة لنضمن لها وسائل النجاح ولتسير على هدى وبصيرة إلى الغاية المقصودة.

وهكذا كانت الأمة المراكشية بزعامة ملكها تطلب شيئاً واحداً، وتسعى لغاية واحدة، هي الاستقلال التام الناجز.

واليوم ومراكش تحيى ذكرى جهادها، وتستعيد مراحل هذا الجهاد أثناء السنين الماضية، لتبتهج بما آلت إليه القضية المراكشية بعد هذا الكفاح الصادق الذي يقوم به أبناؤها المخلصون داخل البلاد وخارجها، تحت راية الوطني الأول جلالة الملك محمد الخامس. فقد كان من فضل هذا الجهاد أن آمن الشعب المراكشي بأن حياته لن تستقيم ما دام الأجنبي يسيطر على موارد هذه الحياة، ويخنق فيها الحيوية المتدفقة، ويميت فيها الشعور الحي. وكان من ذلك أن جند الشعب نفسه لمكافحة هذا الطغيان الأجنبي الذي يتشبث بأذيال

<<  <  ج:
ص:  >  >>