مراكش تشبث الحريص ولمناهضة وسائله التي يتخذها حتى فشلت كلها؛ برغم تغيير المشرفين عليها، وبرغم الخطط التي اتبعها هؤلاء المشرفون وما أحاطوا به مشروعاتهم من ضمانات النجاح. ولأول مرة في مراكش شعر الفرنسيون بأنهم في حاجة إلى أساليب جديدة لمواجهة الشعور الوطني ولمقاومة الفكرة الاستقلالية التي تمكنت من قلوب الشعب، فأصبحت خطراً على كيانهم ووجودهم في مراكش. ومن ثم بدأ المقيم العام يفكر في تغيير معاهدة الحماية لا لتتخلص منها البلاد، ولكن ليستطيع أن يحكم وهو في حل من أية معاهدة تقيده، ومن أية سلطة تعطيها هذه المعاهدة للملك، وذلك هو الذي أوحى إليه بفكرة (فترة الانتقال) الذي وضع مشروعه الجديد على أساسها. وهكذا يحلم المقيم أن يحكم مراكش وقد تخلص من القيود التي تتمثل في سلطة الملك العليا. ولكن الشعور القومي في البلاد قد تنبه إلى هذه الألاعيب وأعلن (حزب الاستقلال) على لسان الشعب أن (لا مفاوضة إلا بعد إعلان الاستقلال) وبذلك سقط المشروع الجديد الذي أراد المقيم الفرنسي أن يحكم البلاد على أساسه. وكانت الضربة القاضية التي ذهبت بالمشروع وأصحابه مذكرة جلالة الملك إلى رئيس الجمهورية الفرنسية التي أذيع خبرها أخيراً، وارتجت لها الدوائر الفرنسية؛ فقد شعر جلالة الملك بأن المقيم يريد أن يلعب لعبة يقضي بها على ما بقي لمراكش من كيان، فأرسل جلالته مذكرته هذه يحتج على تصرفات المقيم ويؤكد مطالبته باستقلال بلاده. وهكذا تنهار السياسة الفرنسية في مراكش أمام عزم المليك، ويقظة الشعب؛ وحرص الأمة على استقلالها التام الناجز.
وكان من فضل هذا الجهاد الوطني أيضاً أن أصبحت قضية مراكش قضية البلاد العربية كلها، وأصبح لها دوي في الشرق العربي وفي أوربا وأمريكا. فقد كان الاستعمار من قبل يقوم باعتداءاته الصارخة دون أن يسمع لهذه البلاد صوت، ودون أن يتردد صدى أنينها في خارج البلاد، وذلك بفضل النطاق الحديدي الذي ضربته فرنسا على بلاد المغرب العربي حتى تمكنت من كبت كل صوت يرتفع، والقضاء على كل حركة تحررية. ولكن الحركة الاستقلالية في المغرب العربي أخذت عدتها هذه المرة فأصبح لها مكاتب عدة في الشرق العربي وفي أوربا وأمريكا. وقامت هذه المكاتب بفضح أعمال الاستعمار الفرنسي، فأصبح صوتها مدوياً في البلاد العربية، وربطت قضية مراكش بالقضايا التي تكافح