وبعد، فهذه لمحات أو قاطفات سراع من هذا البحث الممتع القيم، وكانت آراء إخوان الصفاء زهرات مبعثرات، فجمعها المؤلف في طاقة منسقة كانت هذا الكتاب، ومن ذا الذي لا تهفو نفسه إلى أن يستمتع من هذه الطاقة بنظرات وسبحات؟
أحمد محمد الحوفي
زقاق المدق
(قصة للأستاذ نجيب محفوظ)
هو اللوحة الحية الرائعة التي رفعت عنها ريشة الفنان البارع الأستاذ نجيب محفوظ. وقد يعجب القارئ من ناقد يفتتح مقال نقده بهذا المديح الجارف؛ ولكن مهما يكن الناقد مسرفاً في تزمته، فإنه إزاء نجيب لا يملك غير المديح المتدفق يجرى على قلمه لا يقف في سبيله أي عارض من عوارض التوقر التي تركب النقاد. بل إنه يجد خلف هذا الاندفاع ما يشجعه على المضي في السبيل التي يسلك حتى يريح ضميره الأدبي مما يحسه نحو هذا النابغة الفنان. . . وقد أصبح الهدم في أيامنا هذه بضاعة سهلة، يسومها كل محاول للكتابة. . . يظنون أن الشتيمة جرأة. . . يا هؤلاء! إنكم إذ تشتمون تظهرون بمظهر الجرأة حين لا جرأة لديكم، لأن من تشتمون لا يملك أن يلحق بكم أذى. ولكنكم إن مدحتم استهدفتم لقول القوم: إنهم يتملقون. وما أجرأ من يعرض نفسه لهذه المقالة. . . وهاأنذا أمدح. . . لاعن رغبة في إظهار جرأتي، فلن يظن بي أحد تملقاً. . . لكن رغبة في أن يكون الحق - حتى ولو كان مديحاً - هو الحكم الوحيد الذي نخضع له ضمائرنا. . . إنني أعلن في يقين راسخ أن نجيباً أصبح في القمة الشاهقة التي يعتليها كبار كتاب القصة المصرية.
واضح من العنوان أن القصة قد أخذت مساربها في أحياء وطنية خالصة. . . ولكن الغريب في أمر هذه القصة أن الأستاذ نجيب لم يطارد شابا بذاته من شبان المدق ليجعله بطل قصته، ولم يجر خلف فتاة معينة من فتيات الزقاق ليقيم منها الشخصية الأولى في القصة. لم تكن شخصية البطل آدمية، بل كانت الزقاق أجمعه بما يحويه من مشايخ وكهول وفتيان، وما يحويه أيضاً من عجوز متصابية، وكهلا تريد الزواج، وفتاة تستعرض فتيان