الزقاق. . كان بطل القصة هو الزقاق. . كان لكل شخص قصته وصورته. . ولكل معهد من معاهد الزقاق رفاقه يكونون رسمه ويروون روايته. . ثم كان لكل قصة نهايتها. .
إن زقاق المدق هي القصة الأولى من نوعها في اللغة العربية. إذ جرى كتاب القصة على أخذ شخص أو شخصين ينسجون حوله أو حولهما قصتهم نسيجاً لحمته أشخاص آخرون. أما أن يكون كل شئ في القصة بطلا، فهذا نوع جديد في القصة العربية. ونجيب بارع كل البراعة حين يظل ممسكا بقياد القصة بين يديه لا يدع مجالا لها تلفت منه، حتى يصل بكل شخصية خلقها إلى النهاية التي أرادها.
وعجيب أن يستقيم له هذا الأمر مع هذا الحشد الهائل من شخصيات روايته. . . وقد انتفع الأستاذ نجيب بكل الظروف التي أحاطت بعهد القصة. فكان للحرب دور كبير في الرواية. فهي التي مهدت السبيل لابن المقهى أن يكون غنياً يستطيع أن يذهب إلى السينما، وأن يمشى بين رفاقه مزهواً يعيرهم ببقائهم على حالتهم لا يبذلون في سبيل (التريش) مجهوداً. وما زال بعجرفته حتى حدا بالحلاق أن يشد الرحال إلى الإسماعيلية فيعمل (بالأرنس) يجمع أموالا تليق بفتاة أحلامه وفتاة المدق التي خطبها قبل السفر. . والحرب هي التي هيأت للفتاة أن تكون (أرتست) ونرى نجيباً وقد أنشأ مدرسة قائمة بذاتها لتعليم أرتستات الحرب كيف يأخذن المال من (جونى) ونرى معلم المدرسة وقد رسمه نجيب رسماً عجيباً. . . مزيجاً من الشدة واللين،. ولئن كانت ومن اللطف والفظاظة المدرسة حقيقة سمع بها نجيب، فتسجيلها في قصته لفته جميلة. وإن كانت بنت خياله فهو رائع إذ ينشئها.
وكما أفاد نجيب من الحرب، أفاد من نهايتها أيضاً. . فأخرج العامل المتعجرف من عمله. وأطلقه سكيراً، هائماً على وجهه، ثم قاتلا لأخته من الرضاعة التي أصبحت في نظره جريحة العفة.
وأعادت نهاية الحرب الحلاق النازح للغني إلى الزقاق حيث يجد فتاته وقد أصبحت ذات ثراء واسع سكبه عليها لينها، فهو يساعد أخاها في قتلها.
وقد كان للظروف الطبيعية التي يمر بها كل قوم دور في الرواية. فنرى شاعر الربابة يضم قيثارته ويخرج من قهوته الأخيرة بعد أن ابتاعت (راديو) وأصبحت في غنى عن قصصه التي حفظها جميع رواد القهوة.