ويمتاز نجيب برسم شخصياته كما يخلقهم الله. فترى في الشرير خيراً وسراً. ولكنه يغلِّب فيه ناحية الشر على الخير، وترى في الخير شراً وخيراً، ولكن خيره غالب على شره.
ولنأخذ مثلا للشخصيات الخيرة في الرواية الشيخ رضوان الحسيني فترى الخير فيه غالباً. فهو الذي يلجأ إليه سكان الزقاق في الملمات. وهو المثل الذي تشير إليه الأمهات إذا شئن أن ينصحن أبناءهن. . ولكنه مع هذا شرير مع أهل بيته، يفرغ فيهم ما يكظمه من غضب في مخاطبته لأهل الزقاق. أما الشخصيات الشريرة فهي كثيرة؛ ولكن لنأخذ مثلنا المقهى، فهو رجل ذو أمزجة مختلفة كلها شاذ يدعو إلى الاستنكار الشنيع. ولكنه مع هذا لا يطيق أن يبذل وعداً بالصلاح حين يطلب إليه الشيخ أن يبذله. فهو رجل لا يعد دون تنفيذ.
لن أحوال الكلام عن جميع الشخصيات التي رسمها الأستاذ نجيب، فهي - كما قلت - كثيرة، وكلها بطل؛ ولكن ثمة شخصية رسمها نجيب حاد في لمحة منها عن طريق كنا ننتظر أن تسلكه، هي شخصية صاحب الوكالة. وهو بك كبير في السن، كان يأمل أن نتزوج من فتاة الزقاق. وكم كان الأستاذ نجيب موفقاً في عرضه لهذا الحب العجيب بين الغسق والضحى. ولكن قبل أن يتم الزواج سقط الرجل مريضاً، ولج به المرض، ثم شاء له الله الشفاء وكنا ننتظر أن يقوم من مرضه مؤمناً بالله، شاكراً له، ولكن الأستاذ نجيب أقامه ساخطاً على الدنيا، برما بها، كافراً بنعمة من شفاه. . . ومن الناس من يصاب بهذا. . . وكل ما ألاحظه أننا كنا ننتظر غير ذلك. . . ولا ضير عليه إذا أخلف ظننا.
وبعد. فلا يسعني إلا أن أقدم للحياة المصرية العصرية كل تهنئتي أن وفقت إلى قصاص كنجيب، يرسمها فيترك منها للأجيال القادمة صورة واضحة المعالم جلية المعارف.