فلو أن الأستاذ الحداد كلف نفسه أن يراجع تعريفا واحدا من التعريفات المصطلح عليها لاستغنى عن هذه الأسئلة وأعادها إلى نفسه ليعلم إنها لا تبطل شيئا مما أراد إبطاله.
فتعريف الجزيرة مثلا هو إنها قطعة من الأرض يحيط بها الماء من جميع الجهات. فماذا نفهم من قطعة الأرض التي يحيط بها الماء إلا إنها الجزيرة؟.
وتعريف الخط المستقيم مثلا هو انه اقرب موصل بين نقطتين فماذا نفهم من اقرب موصل بين نقطتين إلا انه الخط المستقيم؟ هل تطالبني بإفهامك ما هي النقطة قبل أن تسلم بالوصل بين النقطتين؟ هل تطالبني بتعريف الجهات حول الدائرة أو حول المثلث أو حول المربع أو حلو المستطيل إذا كانت الجزيرة على شكل من هذه الأشكال؟.
كل ما يطلب من التعريف انه ينفي الالتباس ويحصر الصفة. فإذا قلت لي ما هي مزية وصفك الموجود بغير المعدوم؟ فهذه المزية هي إننا نخرج من هنا (غير المحسوس) و (غير المفهوم) و (غير المدرك) وغير المعلوم؛ فلا ننفي وجود شئ لأننا لا نحسه أو لا نفهمه أو لا ندركه أو لا نعلمه، ويصبح الموجود بذلك اعم واكبر من أن يلتبس بالمحسوسات والمدركات والمفهومات والمعلومات.
ولو أن الأستاذ احسن تطبيق هذا التعريف لما استطاع أن يقول أن المكان (هو العدم المطلق) كما قال في ذلك المقال.
فعلى طريقتنا نحن نقول أن المكان موجود لأنه غير معدوم ونقيم الدليل على انه غير معدوم بأنه يقاس ويحتوى الموجود ولا عدم لا يقاس ولا يحتوى الموجودات فلا يسعك أن تقول أن مترا مكعبا من العدم اكبر من قدم مكعبة من العدم. ولا يسعك أن تقول أن العدم المطلق يحتوى جميع الموجودات.
ولقد رأينا عقلا من اكبر العقول البشرية - كعقل اينشتين - يكاد يفسر الموجودات كلها بهذا الفضاء الذي يحسبه الأستاذ الحداد عدما مطلقا لا يوصف بمجرد الوجود.
فقد قال انشتين أن كل وصف للأثير يمكن أن ينطبق تمام الانطباق على الفضاء. ومن ثم وضع تلك الصيغة المشهورة عن المادة الفضائية وعنى بها أن الفضاء جوهر وقد يكون مصدر جميع الموجودات. فان مصدر جميع الموجودات من العدم المطلق في رأي الأستاذ الحداد؟