ومضت الأيام تسدل بينه وبين الماضي حجاب النسيان، وهو يغالب هواه ويصارع نفسه، حتى برأ من دائه. وأخذت ذكريات الماضي تتضاءل في رأسه حتى أوشكت أن تتلاشى، وانقشعت عن عينيه غشاوة العاطفة التي كانت تغلبه على عقله وتزين له أن يبيع بالحب كرامة الرجل.
وانقضت سنوات ثلاث، ثم رأى نفسه وجها لوجه أمام المرأة التي كان يحبها أرق الحب فعاد يبغضها أعنف البغض، ويبغض من أجلها النساء جميعاً. لقد أخفقت فيما سعت إليه، فلم تظفر بالسعادة التي انطلقت وراء أوهامها وحطمت في سبيلها عش الزوجية، وحالت الثمرة التي كانت تشتهي حلاوتها مرة كريهة المذاق حين عرفت منزلتها الحقيقية من نفوس المعجبين بها والمزدلفين إليها من الرجال، لقد انفضوا عنها جميعاً بعد أن ملوها، وراح كل منهم يلتمس لحظات سعيدة في غرام جديد أبي، يذوق فيه سعادة الظفر بالمغيب المجهول. . وتنكرت لها الحياة فعادت إلى الماضي تستلهمه، فإذا هي ما تزال تحب شوكت. . . وذكرت في النهاية الرجل الذي كان يحبها، والذي كان يبيع من أجلها كل شيء، فجاءت تسعى إليه معترفة تائبة. هيهات! لقد أضلها السراب طويلاً، فلما همت أن تعود إلى المناخ كان الركب قد تحرك، فلم تدرك غير الغبار يقذي عينيها وتتكاءدها عقبات الطريق!
وأغلق الرجل دونها بابه، ووقفت بينه وبينها الذكريات المؤلمة عن ماضيها وماضيه. لم تؤثر فيه دموع الندم، ولم يعطفه عليها ما ناشدته الحب القديم، فقد علمته من قبل كيف يكون بليد العاطفة، فبقى معها بليد العاطفة، وعلمته ألا يؤمن بالحب، فأثبت لها أنه لا يؤمن بالحب، وعلمته ألا يثق بوعود امرأة، فأكد لها أنه أبداً لن يثق بوعود امرأة.
وحين عادت المسكينة امرأة ذات قلب. . . . عاد المسكين رجلاً بلا قلب!.