وتضحية. وأخفق فيما سعى إليه ولكنه لم ييأس.
وترامت إليه الأخبار بما يتحدث الناس من شأنها؛ وكان آخر من عرف. . . يا للهول! وأفاق من وهم الحب. لقد مد لها أسباب الغواية وتركها تتدحرج حتى استقرت في أعماق الهاوية وجذبته معها!
واستعاد رجولته، ولكن بعد أن فقد من يأتمر بأمره، وفارقها في صمت، عيوفاً أبياً، ولكنه خلف قلبه هناك. . . تحت وسادتها وبين الحشايا!
وكان له ما أراد، ونقل من البلد الذي دفن فيه الشباب والحب والأمل، ينشد العزاء والسلوان بعيداً بعيداً؛ وقد أقسم ألا يكون له من بعدها زوج.
وهاهو ذا يعود بعد سنوات ليأخذ ولده يعيش في حضانته، بعيداً عن عار الخطيئة - عن المرأة التي كرهت أن يكون ولدها معها فيعلن للأصدقاء بوجوده أنها أم. . .!
وصلصل الجرس وما يزال شوكت غريقاً يجاهد موجات الذكرى الأليمة في يأس؛ يأس المحب الوفي جوزي بحبه ووفائه غدراً وخيانة!
وحياه زميله الأستاذ مختار وهو يصيح: (أهلاً، شوكت، متى حضرت؟)
وهز يده بقوة، وربت على كتفه بحنان ثم أردف:
- (إن صديقنا (أحمد) لموفق، فقد كان يذكرك اليوم ويتمنى أن تحضر زفافه، وقد حضرت.)
قال شوكت: (زفافه؟ وماذا تراني أصنع له في زفافه؟)
ودهش مختار أن يتحدث شوكت كذلك وأجابه: (لا أحسبك نسيت ما كان بينكما من ود؛ أفليس من حقه عليك أن تهنئه أن ظفر بالفتاة التي يهواها، وأنك لتعرف أين كان أمله!)
وابتسم شوكت في ألم، وقطب جبينه، واسترجع كل ماضيه الأليم في لمحة، وقال لصديقه ساخراً: (وهل تراه ظفر بشيء يستحق التهنئة، أم تراني أعزيه. . .!)
وتولى عن صاحبه وهو ممسك بيد ولده، والأرض تجاذبه إلى الخلف - إلى حيث يرى المرأة التي أحبها فخانته. ولكنه عرف كيف يكون رجلاً، وكيف يقمع في صدره ذلك الحب الذليل الذي نزل به إلى الهوان والعار. ومضى في طريقه إلى البلد الثاني وكأن ما كان يدوس بقدميه قلبه الدامي فيحس وخزاً أليما فوق ما تخزه الذكرى وتؤلمه.