للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للحياة ما استغلق من أبواب قلبه حتى يشعر بأنه حي، أما إذا جعل دونها سدا فلا يلومن إلا نفسه إذا بقى ميت الروح. وليتلق الإنسان لذاذات الليل الحاضر، ومتعه العاجلة بجماع حواسه، حتى يشترك سمعه وبصره وذوقه وشمه وكل عضو فيه في الشعور بالحياة الحقيقية. وليغتنم الليل إذا سجا؛ فإن له لباسا يغشى وحجابا يستر، وظلا يناجي، وكوكبا يهدي. وليسكر بخمرة الغرام. فإنها أشهى المدام: أما إذا لم يفعل فهو في نظر هذا الشاعر ميت الروح حقيق بان يسمع النداء:

٨ - (أيها الميت! افتح روحك لتيارات الحياة

وتلق بجميع الحساسات لذاذات الليل

فظله يناجيك ليسكرك بالغرام وكوكبه في السماء يطلع ليهديك!).

وإن في هذا الإغراء ما كان لمثلي أن يتقبله بقبول حسن ولا كان لي أن اسكت عليه لولا إني أمام قصيدة نصيبي منها ترجمتها وتحليلها، ولولا ما يشفع للشاعر من انه في (جزيرة الحب والجمال) وان له في تلك الجزيرة محبوبة تواعدت معه على اللقاء عند هضبة قريبة واتفقا على أن توقد نارا لتكون منارا يضئ بين الحب فيجد هدى في الاستدلال إلى الطريق. فالشاعر هنا يخاطب نفسه ويصور أحاسيسها قبل أن يخاطب أحداً أو يصور أحاسيس أحد. وإن ما في هذه القصيدة من قوة الروح لعائد إلى إنها نابعة من إعجاب قلب (لامرتين) في شئ من خصوصيات حياته.

فالنتيجة التي يريد أن يبلغها بنظمه هي إحاطة نفسه بشيء من معاني الجمال التي لا تتناهى في الزمان والمكان، وفيما تسمعه الأذان وفيما تبصره العين وفيما تمسه اليد وفيما يحسه القلب، قبل أن يصل إلى موعد اللقاء الذي تبدو فيه الحبيبة من بعيد منحنية انحناءة الزنبقة العطشى إلى الماء، لأنها عطشى إلى لقاء المحبوب، تتسمع كل نامة في الليل وكل حركة وتحسبها خطاه التي تذرع الأرض في سبيله، إليها لتكتحل عينه بمرآها، ويفرح قبلها برضاه.

٩ - (أترى على الهضبة ناراً ترتجف من بعيد

هناك بيد الحب منار يضيء

هناك تنحني الحبيبة انحناءة الزنبقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>