ثم يعود إلى الموج فلا يراه ثابتا على حال، يعلو طورا كالجبال ويهبط يتلاشى، فلا يبقى من لججه شئ، كهذه الإنسان يولد طفلا فيتم تكوينه ويبلغ اشده في الشباب، ثم يضعف مع تصرم الأيام كلما رد إلى ارذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا، ثم يلقيه العجز على فراش الموت فيحتضر بعد أن يبلو الحياة حلوها ومرها ويجرب منها سعدها ونحسها، حتى إذا عجز عنها زهد في أمتع ما فيها وإذا ذاق من لذائذها شيئا ضاق به ذرعا وطلب سواه فما يزال يتحسر على المفقود ويسام من الموجود حتى يطوى اجله في كتاب.
فكأن تنفس الموج أنين الكئيب الذي يحزن على ما فاته من مفقود، لا على ما فقده من موجود فهو ملول مما عرف، راغب فيما لم يعرف وهو من ملله ورغبته يتنفس في ضيق، ويتلوه في حنين!
بل كان كل ما في هذه الطبيعة - لا الموج وحده - يتحسر مثلنا معشر الناس حتى في ساعات الهناء والنعيم!
٧ - (إنه يعلو ويهبط. . . ويولد ثم يحتضر
كأنه ضاق ذرعا بأنواع اللذائذ
وي! كان الطبيعة تتنفس في هذه الليالي
متحسرة مثلنا حتى في ساعات الهناء!)
ويرى الشاعر عند هذا أن الإنسان خلق عجولا، يسرف في أنواع طلبه، ويزيد في ضروب رغبته، ولا يقنع بالحاضر من لذته، فيشيح بوجهه عن قليل بين يديه، حبا لكثير لا يصل اليه، فتضيق عليه الأرض بما رحبت ويعيش كاسفاً باله قليل الرجاء؛ فهو لم يمت فيستريح ولكنه ميت بين الأحياء فينادي لامرتين هذا الميت - وهو في اعتقادي لا ينادي غير نفسه - ليثوب إلى رشده، ويفتح لتيارات الحياة روحه: إذ الحياة لا تضيق إلا بضيق الأنفس ولا تظلم إلا بظلمها، كما لا تتسع إلا بسعتها ولا تشرق إلا بإشراقها. فليفتح الإنسان