عاصف هائج - ولا يغلب العاصفة كالسكون، ولا يهدئ الهياج مثل الوداعة - فليسرع إلى تقبيل أقدامها كلما اشتدت به ريح ولا يحسبن في ذلك ذلة أو صغارا، ولضم بين ذراعيه جزرها وخلجانها كلما أرغى وأزيد، ولا يخافن في هذا لومه ولا عذلاً، ولتدب الحياة في هاتيك الشواطئ، فعشاقها (البحر) ينفخ فيها من روحه، وينعشها بأنفاسه الرطبة الخارجة من أعماق أعماقه. . . .
٤ - (والبحر عاشق هذه الشطئان الوادعة
يهدئ وهو يقبل أقدامها، من عواصفه الهائجة
ثم يضم بين ذراعيه هذه الخلجان والجزر. . .
فتنتعش الشواطئ بنفسه الرطيب. . .)
ولا يفوت الشاعر أن يسجل منظرا عجبا سريع التغير، شديد الانقلاب كثير الالتواء: منظر الموج إذ يتقدم متلاحقا متدافعا، ثم يتراجع متقهقرا مهزوما، ففي تقدمه شوق كشوق المستهام إلى حبيبته ساعة يهذي كلوعة المتحسر ساعة يعود إلى الحقيقة، فيعلم أن الطيف خيال وان الخيال سريع الزوال.
٥ - (ومن بعيد. . . يسر العين أن تتابع منظرا عجباً
فترى الموج يتقدم تارة ويتراجعأخرى
كالمدنف الولهان يضم إليه في هذيانه. . .
عذراءه التي تمثل أمامه ثم نقلت من بين يديه!
وكما رأى بعين بصيرته ما لم يره بعين وجهه، يسمع (لامرتين) بأذن قلبه ما لا يسمعه بأذن رأسه: يسمع لحن الموج والشاطئ إذ يتنفسان بتأوه وأنين أما الموج فيتنفس في تقدمه وتراجعه ويبث في الفضاء شكواه! وأما الشاطئ فيتنفس كلما ارتطم الموج بصخوره ويبث مع الفضاء شكواه! فكلاهما يتنفسان تنفس الصبي الحالم النائم الذي لم يبل الحياة بعد ويبث مع ذلك شكواه!. .
حقا إنها أصوات غامضة لا نعرف مبدأها ولا منتهاها، ولا نصل إلى سرها ولا نجواها؛ ولكنها - على غموضها - تطرب أسماعنا وتشغف اذاننا، وتشفغ اذاننا، وتسعد نفوسنا فهل هي أصداء لألحان السماء؟ أم هي أنفاس الحب ترددها ارض الشاطئ وموج البحار؟