السياسة والاقتصاد ولذا تجد أن الناشرين الإنجليز يقدمون بين يدي مؤلفات (مل) بكتابه (النفعية) وإن كان كتابه عن الحرية أوفرها حظا من الدقة والعناية في دراسته وبالتالي أهم معبرا عن آراء الفيلسوف الخاصة واكثر كتبه ذيوعا.
لقد كان (مل) الصغير. وهو يسمى بذلك تمييزا له عن مل الكبير - أبيه جيمس من اتساع العقل ونفوذ الفكر بما لم يكن كثير من المؤلفين، فحقق الأمل الذي عقده عليه أبوه في اصطناع مذهب النفعية التي ورثه وصاحبه بنتام إياه وان يكن قد خرج به عما قصد إليه بعض الشيء فان المذهب بعد تعديل فيلسوفنا له قد قبله العامة اكثر من ذي قبل، مع انه لم يخل من الغموض والتناقض.
وخلاصة هذا المذهب في كلمة واحدة هي ما يتسع لها المقام هنا - ما تقول به نظرية المنفعة أو مبدأ السعادة من أن الأفعال تكون صوابا بمقدار ما ترمي إلى تحقيق السعادة، وخاطئة بقدر ما تؤدي إلى نقيض السعادة - ويعني بالسعادة هنا تحقيق اللذة وتجنب الألم كما يعني بالشفاء، تحقيق الألم، وامتناع اللذة. ويقوم هذا المبدأ على فكرة اللذة النفسية التي تفترض رغبة الإنسان بفطرته في أن يحقق لنفسه اكبر لذة ممكنة وأن يجتنبها كل ألم، على إلا يتعارض في رغبته مع رغبات غيره، وعلى أساس التضحية بالسعادة الفردية في سبيل سعادة المجموع، والسعادة، العاجلة انتظار لسعادة اكبر منها أجلة. اي تقديم الكيف في نشدان هذه السعادة على الكم وأخذها بأوسع معانيها بالنسبة لكائن متطور.
ولكي تفهم هذه النظرية - وغيرها من نظريات مل - ينبغي أن تقرنها بالنظرية التي يعارضها بها المؤلف قديما وحديثا - فإن مؤلفنا كل حريصا اشد الحرص على أن يميز نظرياته عما يسبقها، وأن يبين وجوه الشبه والخلاف بينها وبين غيرها - كما كنت طريقته في الكتابة أن يشرع بعد تعريف موضوع كتابه - وربما قبله - في نقد النظريات التاريخية السابقة، وتفنيد الآراء الحديثة الشائعة، ثم يعرض لنظريات بنتام وابيه، فيقد من هذه ويعدل ما استحق النقد والتعديل.
فهو في مذهبه النفعي الذي يؤكده ويحوم حوله في كل كتاباته، ويخصص له هذا الكتاب، إنجليزي حق، يتشبث بالواقع والتجربة المستمدة من التاريخ في تطوره والأمور في حقيقتها، ويحمل على المبادئ المثالية العقلية والافتراضات الميتافيزيقية القبلية (السابقة