للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على التجربة ونظريته هذه في النفعية تعارض - اشد ما تعارض - نظرية (كانت) الأخلاقية، التي تجعل من الضمير والواجب والحدس الأخلاقي أساسا للفعل، فبينما هذه النظرية مثالية تزن السلوك الخلقي بالدافع عليه الذي هو أوامر قطعية يفرضها الضمير والواجب؛ إذا بهذه الأخرى واقعية مادية تزن السلوك بمقدار ما تحقق لنا غايته من سعادة ولذة ومنفعة.

٢ - كتاب الحربية:

ولن يعنينا أن نتبع نفعية (مل) اكثر من هذا، ولكنا نعود إلى حيث قلنا انه حيث ينتهي قوله في هذه يبدأ مقاله عن (الحرية) فقد انتهت به مناقشاته لهذه النظرية إلى توكيد مبدأ على جانب كبير من الأهمية في فلسفته السياسية لأنه لما جعل من المنفعة مقياسا عاما ليقيم الأفعال، والحكم عليها بالخطأ والصواب بما تحمل في غايتها من تحقيق اللذة وتجنب الألم، تبين له أن تمت منافع جماعية هي اكبر أهمية من المنفعة الفردية بكثير، وأنها أولى بأن تكون مقدمة وقاطعة وأن هذه المنافع العمة - مع أن القانون والسلطة يقومان على حمايتها - لابد لها أن تستند إلى تأييد شعور الفرد وعاطفته وتفضيله بمحض أرادته أي إلى حريته.

ولم تنحل المشكلة بذلك حلا حاسما، بل أن النزاع لا يزال قائما منذ اقدم العصور فيما بين الحرية الفردية، والسلطة الاجتماعية نتيجة لتعارض المنفعة الشخصية والمنافع العامة المشتركة بين المجموع، واتخذ هذا الصراع بين المنافع مظاهر شتى يعرض لها بالتفصيل.

فالكتاب ككثير من الكتب قبله لأفلاطون وأرسطو وهوبز وغيرهم التي تبحث في فلسفة السياسة والحرية التي يقصدها المؤلف هنا ليست حرية الإرادة التي ضدها الجبرية في الميتافيزيقا والأخلاق بل الحرية الفردية التي ضدها السلطات الحاكمة في السياسة والاجتماع ومدى ما لهذه الأخيرة من سلطان على الأولى؛ فما نشا عنه على طول التاريخ - كما قلنا - صراع نجد اهم مظاهره عند اليونان والرومان وفي إنجلترا، بين طبقات الأهلين والحكومة أو بين الأهلين أنفسهم.

ذلك أن مشكلة الناس - حين يعيشون في جماعة - انه يلزمهم الخضوع لقانون وضعي، أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>