لسلطان المجتمع، حتى يحترم بعضهم حق بعض، وهذه المشكلة الأساسية في الحياة، وإن لم يحسن الناس حلا فيما يرى (مل) وذلك لتعدد الأهواء الشخصية وتعارض المنافع الخاصة والمنفعة العامة، ثم لسعي السادرة وراء مصالحهم الشخصية ومحاولة المسودين تملق هؤلاء السادة بفعل ما يحبون، وما يظن انهم يحبون وبغض ما يكرهون أو يبدو انهم يكرهون ما تزال مشكلة كل عصر وإن كانت تبدو في صور جديدة متغيرة.
وقد تتساءل: ولم تتعارض رغبات الفرد ورغبات المجتمع، وما دخل السلطات الحاكمة في هذا التعارض؟ فاعلم إذن أن الناس يختلفون في رغباتهم كما وكيفما، وأن الناس وإن أتحدث رغباتهم أفرادا، فأنه يتكون من مجموعهم (مجتمع) له هو الآخر رغبته الخاصة التي تختلف عن رغبة كل فرد على حدة - مع انه في حقيقة الأمر ليس إلا مجموع هؤلاء الأفراد - فثمة تعارض أبدا بين رغبات الفرد وبين (مجتمع) الأفراد وتمتد هذه العداوة إلى الحكام أنفسهم بوصفهم ممثلي هذا المجتمع والمعبرين عن رغباتهم، بمعنى أن عداوة الفرد للمجتمع الذي ينازعه لذته ومنافعه تتجسم شخص الحكام أنفسهم القائمين على حمايته وتنعقد المشكلة اكثر حين تتدخل في الأمر رغبات الحاكم نفسه كفرد - بان تكون له لذاته ومنافعه وأهواؤه الفردية - إلى جانب ما يقوم عليه باسم المجتمع.
وباسم هذه الحرية الفردية في التفكير والنقاش واستقلال الشخصية وصلاح المعيشة يتحدث (مل) في الفصول الثلاثة الوسطى من كتابه، فيمهد لها بمقدمة، ويلحق بها تطبيقات مما سيفصل القول فيه في المقالتين التاليتين.