ومن محاسن هذه المدينة موقعها الفريد؛ فهي بعيدة عن الصحراء المجسدية وعن البحار وأخطارها ولكنها تتصل بهما بطريق غير مباشر. تتصل بالصحراء بطريق بري وبالبحر بنهر سبوا. ثم أن هذه النهر أيضاً يشقها نصفين وتتشعب جداوله بين دورها وأنحائها ثم يخرج منها وقد حمل أقذارها وبعد أن يدبر رحيها. ولهذا النهر وكذلك ميزة خاصة في مياهه التي تساعد على شفاء كثير من الأمراض وأخيرا يجب إلا ننسى انه إلى القرب منها توجد كثير من مقاطع الأحجار وكميات وافرة من الكلس تساعد على نشاط حركة البناء.
وبعد أن اتم ادريس بناء مدينته اخذ يخرج لغزو ما جاوره من بلاد على فترات متقطعة منتظمة ولكن المنية لم تمهله اذ مات في ريعان شبابه قيل مسموما وقيل انه شرق بحبة عنب فمات. واختلفت الروايات في مكان دفنه فبعضها يقول في مسجد الشرفا بفاس وبعضها يقول انه دفن يجوار أبيه في وليلي. وبموته أخذت دولة الأدارسة في الاضمحلال ذلك أن اولاده قد تقاسموا البلاد مما ترتب عليه وقوع الشحناء والتنافس بينهم ومن ثم إلى انقسام الدولة وتفككها ومما زاد الطين بلة تلك الأخطار التي كانت تحدق بالدولة من الخارج.
فالفاطميون ومن قبلهم الأغالبة في أفريقية والمغرب الأوسط والأمويون في الأندلس وكل بعمل على محوها. وهكذا ترتب على هذا الاضمحلال السياسي اضمحلال حالة مدينة فاس فافل نجمها بعد أن سطع فترة من الزمن واصبح لا يقصدها إلا من أراد التبرك بزيادة بعض قبور الأدارسة لذلك لا نعجب إذا رأينا من الأمثلة المشهورة (فاس بلد بلا ناس).
أما لماذا اختارت إدريس الثاني هذه التسمية (فاس) لمدينته فقد تعددت في ذلك الروايات وان اختلف بعضها في التفاصيل فان اغلبها قد اجتمعت على وجود مدينة قديمة قبلها قد طمرت معالمها وانمحت أثارها حتى جاء إدريس الثاني فجددها في شكل مدينة فاس. فقيل أن هذا الاسم قد اختاره لها إدريس عقب ذهابه لرؤية المكان الذي تم اختياره إذ صادفه رجل اسمه على انه (فاس) فسمى المدينة باسمه. ولكن هذه الروايات ضعيفة، ولا يمكن الأخذ بها. ويرى صاحب الدرر السنية ويشاركه في هذه الرواية الجزنائي أن احسن ما يمكن أن نعلل به هذه التسمية أن الإمام إدريس عندما خرج لمعاينة المكان الذي اختير لمشروعه مر به شيخ كبير من رهبان النصارى قد زاد عمره على المائة والخمسين سنة