كان مترهبنا في صومعة قريبة من تلك الجهة؛ فوقف على مولانا ادريس وسلم عليه ثم قال أيها الأمير ما تريد أن تصنع بين هذين الجبلين. قال أريد أن اختط مدينة هنا يعبد اله تعالى بها، ويتلى بها كتابه وتقام بها حدوده. قال أيها الأمير أن لك عندي بشرى. قال: وما هي أيها الراهب؟ قال: انه اخبرني راهب كان قبلي في هذا الدير له منذ توفى مائة سنة انه وجد في كتاب علمه انه كان بهذا الموضع مدينة تسمى (ساف) خربت منذ ألف سنة وانه يجددها ويحيى أثارها ويقيم دارسها رجل من آل بيت النبوة يسمى ادريس، ويكون له شان عظيم وقدر جسيم لا يزال دين الإسلام قائما بها إلى يوم القيامة فقال مولانا إدريس: الحمد لله أنا إدريس وأنا من آل بيت رسول اله صلى الله عليه وسلم وأنا بانيها أن شاء الله تعالى. فلما بناها قيل له: كيف تسميها؟ قال: باسم المدينة التي كانت قبلها (ساف) ولكن اقلب اسمها الأول ونسميها بقلبة وسماها (فاس) وهذه العامة المتفق عليها ولكن في الغالب انه كانت هناك مدينة قد اندثرت معالمها وهذا ما دفع الجزنائي إلى القول (ويدل على ذلك ما رواه البرنس أن رجلا من اليهود احتقر أساس دار من قنطرة عزيلة من المدينة المذكورة. . . فوجد في الأساس قطعة رخام على صورة جارية منقوش على صدرها بالخط الهندي هذا موضع حمام عمر ألف سنة ثم خرب فأقيم موضعه بيعة العبادة)
ويذكر لنا الجزنائي رواية أخرى ينقلها عن صاحب الاستبصار وهي أن الأمام إدريس عندما شرع في بناء مدينته كان يعمل فيها بيده كما سبق ذكره فصنع اله فاس من ذهب وفضة فكان الإمام إدريس يمسكه بيده ويبدأ به الحفر ويختط به الأساسات للفعلة فكثر ذلك على السنتهم طوال مدة البناء فكان الفعلة يقولون هاتوا الفأس، خذوا الفأس، احفروا بالفاس، فسميت مدينة فاس. وربما كان هذه الرواية اقرب إلى الصحة على الرغم من أن الجزئاني لا يأخذ بها ولا يؤيدها بل يعارضها لأنه يرى فيها ما يتنافى مع تمسك الإمام إدريس بعقيدته الإسلامية التي تتنافى مع استعمال الذهب بهذا الشكل وعلى أي حال فان استعمال الذهب أو الفضة بهذا الشكل، ما زالوا معمولا به حتى يومنا هذا عندما يقوم بعض الملوك أو من يمثلهم في الاحتفال بوضع الحجر الأساسي لأية منشاة جديدة لذلك نراه ينتقل إلى ذكر رواية أخرى وجدوا فأسا كبيرا طوله أربعة أشبار سعته شبر واحدة وزنته ستون رطلا من علم الأوائل فسميت المدينة به.