الدولة فربما كان هو الذي دفعه إلى ذلك ونحن نورد ما جاء بمدخل الرسائل في هذه المسالة، جاء:
(وليس في الرسائل ما يدل أي دلالة على أن دولة بني بويه كانت تدعو إلى التشيع. . ونحن نجد في الرسائل نزعة واضحة إلى القول بالاعتزال والدعوة اليه، فقد جاء في الرسالة التاسعة من الباب العاشر (مولاي يتدين بتعديل ربه، ويعرف مواعق اللطف من صنعه ولا يشك في اقتران الصلاح بفعله) وتتكرر فكرة التعديل هذه في الرسائل كثيرا، والغريب أن الصاحب لا يدعو إلى التشيع في رسائله ويدعو إلى الاعتزال! وهناك رسالتان طريفتان في الباب السابع عشر وهما نصان صريحان في انه كان يبعث دعاة له إلى البلدان المختلفة يدعون الناس إلى الدخول في مذهب المتعزلة، ولسنا ندري أكان هذا من عمله هو ام كان عمل الدولة، فقد كان عضد الدولة يذهب - فيما يظهر - إلى الاعتزال، ويعرف التاريخ صلة دائمة بين التشيع والاعتزال منذ كانا. ويظهر أن التشيع اقترن في هذا العصر اقترانا تاما بالاعتزال إذ كان أهل السنة يكرهون التشيع والاعتزال جميعاً).
وأظن قد اتضح الآن أننا لم نرجع اعتزال الصاحب إلى سيده عضد الدولة أننا كنا بصدد مسالة اخرى هي مسالة دعوة الصاحب إلى الاعتزال دعوة رسمية وهل كانت من عمله أو بتفويض من سادته واكبر الظن أن السؤال لا يزال مفتوحا للإجابة عليه وإن كنا نميل - كما يبدو من كلامنا - إلى أنه كان بتفويض من سادته.
أما الصلة التي عرض لها الأستاذ الفاضل بين البويهيين والاعتزال فلعله يوافقه على انه كان متسرعا في تفصيل الحديث عنها وأنها في حاجة إلى بحث عميق واسع، وهو بحث يعتبر جزاء من بحث اكبر وهو بحث الصلة بين المعتزلة والشيعة وخاصة في القرن الرابع قرن الصاحب بن عباد.
وبعد فإني أنتهز هذه الفرصة لتحية أخي الأستاذ التونسي مقدرا ما دعاه إلى كتابة مقاله من محبة البحث واستيفائه، وانه ليشكر على أن أتاح لي هذه الفرصة لأصحح بعض ما جاء في مقال صديقي الدكتور الاهواني وإن له الآخر مني اجمل الشكر والثناء. . .