للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ظل يتجه نحو الاتحاد مع القسم الآخر حتى تم ذلك. وقامت في تلك الأثناء دعوات مختلفة إلى اللغة التي يرى كل فريق اتخاذها لغة قومية. ومن ظريف ما حدث أن أحد الشعراء صنع مخطوطات طبقاً للغة التي يدعو إليها وادعى أنها ترجع إلى القرن الثالث عشر، واحتال حتى أظهر أنها كانت محفوظة في سراديب إحدى الكنائس، وجعل ينشد الشعر ويكتب الأقاصيص على أوضاع لغة هذه المخطوطات، وتنبه له بعض المعارضين، ولكن بمضي الزمن سار الجميع عليها.

وهكذا كانت اللغة هي أساس القوميات في دول البلقان، وكان النزاع الكنسي يدور حولها، فلم يكن ثمة اختلاف في العقائد، ولكن كانت اللغة هي الغاية. وبين الأستاذ ذلك أيضاً بوصف حالة البلاد التي تقع بين دول البلقان وهي بلاد مقدونيا، فقد كانت مختلفة في اللغات على حسب موقع كل منها من الأمة التي تجاورها - وصف الأستاذ حالة التنازع بين هذه البلاد في مراحله المختلفة، بسبب اختلاف اللغة، ولم ينته هذا التنازع حتى تقسمت الدول المجاورة تلك البلاد، وأخذت كل دولة منها ما يماثلها في اللغة.

ثم قال الأستاذ: أيد الفرنسيون نظريتهم بسويسرا، إذ قالوا إن الأمة السويسرية شاءت أن تكون أمة فكانت، على الرغم من تعدد لغاتها، والواقع أن سويسرا بلاد كثيفة السكان بخلاف مقدونية وهي تتبع في نظام حكمها أن يقوم كل إقليم بنفسه في الإدارة، والقضاء وغيرها، والحكومة المركزية إنما تنظم العلاقات الخارجية. وقد ساعد موقع البلاد الجغرافي على المحافظة على كيانها وحيادها، لأنها محاطة بدول كبيرة مصلحتها في أن تبقى سويسرا على الحياد، وهنا شبه الأستاذ اللغة في القومية بجاذبية الأرض، فكما أن المصباح المعلق لا يلتصق بالأرض والدخان يصعد إلى السماء ولا يهبط إلى أسفل، دون أن ينقض ذلك جاذبية الأرض - كذلك القومية في سويسرا، تقتضيها عوامل أخرى غير اللغة، ولكن هذا لا يدفع أن اللغة هي أساس القومية وروحها.

هذا هو الإنسان:

لا يستطيع متتبع الآداب أن يغفل ذلك المقال الذي كتبه بالأساس الأستاذ عباس محمود العقاد في مقتل غاندي، فهو مقال لا يظفر الناس بكثير من أمثاله، وخاصة في هذه الأيام التي أصبحت الأقلام فيها تجري على الصفحات لمجرد ملئها بأي كلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>