أودته في مقالي، وهو ما أجمع عليه المؤرخون من أن لسعد زغلول فضل تعميم العربية في المعاهد، وإليكم نص ما جاء في كتاب العقاد:
(ومن أجل الأعمال التي قام بها سعد في وزارة المعارف وجازف من أجلها بمنصبه وبحسن العلاقة بينه وبين الأقوياء عملان: أحدهما كان مغضباً للإنجليز، والآخر كان مغضباً للخديو وأتباعه من الشيوخ الأزهريين. . .
(نقل التعليم من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، فأغضب الإنجليز أشد الغضب واحتاج إلى تذليل عقبات أخرى غير عقبات المقاومة السياسية، وهي تحضير الكتب وتحضير المدرسين وتهيئة الجو للتدرج من نظام متغلغل متشعب مضت عليه خمس وعشرون سنة إلى نظام طارئ لا يزال في دور التمهيد، محتاجاً إلى المعدات والمنفذين)
فنحن إذاً أمام روايتين غير متطابقتين، يقول بالواحدة الأستاذ الجليل عبد الرحمن الرافعي بك، ويقول بالثانية الكاتب الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد. وهذه واقعة تاريخية لا يجدي المنطق في إثباتها إن كانت باطلة، أو تفنيدها إن كانت صائبة. ولذلك أراني مناشداً الأستاذين الكبيرين أن يفيضا - على صفحات الرسالة إذا تسنى ذلك - في تبيان ما عندهما من ملابسات لهذه الحادثة التاريخية لنستطيع أن نخلص برأي أيا كان محوره.
وما دمنا بصدد هذه الواقعة التاريخية، أذكر ملاحظتين قد تكونا معواناً في فهم النهج الذي يتبع في كتابة التاريخ القومي في مصر.
وأول الملاحظتين أن شيخاً كبيراً في المقام عاشر التاريخ المصري في القرن الأخير (وعاش) معظم وقائعه قال لي - وهو اليوم عضو في مجمع فؤاد للغة العربية - إنه يقسم بأن التاريخ المصري المطبوع حافل بأخطاء لا حصر لها، وأنه دأب على أن يسعى التاريخ المصري (تاريخاً لولبياً) لأنه دائم الانحراف عن الحقيقة بسبب عدم تدوينه في حينه، وإرجاء مهمة التأريخ إلى ما بعد انقضاء زمان بعيد على الأحداث المرجو تأريخها.
وقد ألححت على هذا الشيخ في نشر مذكراته إنصافاً للتاريخ وللواقع، فتأبى متعللا بأنه بلغ من طول العمر وشدة الهزال مرتبة لا تمكنه من الرد على ما يتعرض له من حملات إذا ما رأت مذكراته ضوء النهار في حياته.
للشيخ الكبير من المقام ومن العلم ومن الثقافة ما يجعلني أتردد كثيراً قبل أن أحكم ببطلان