ما أكثر إنتاج نعيمه، والريحاني، وجبران، وإيليا، وإلياس فرحات، ونسيب عريضه، وأمين مشرق، وغيرهم، ولكن هذا الإنتاج على كثرته وقوة الإبداع فيه لم يكن له ذلك الصدى المحسوس في دنيا الشرق إلا قليلا عند من ترسموا خطي المهجريين وتابعوا سيرتهم، وإذا كان بعض مؤلفات جبران والريحاني، وقصائد نعيمه وإيليا قد أخذ نصيبه من الذيوع والانتشار في ربوعنا فليس ذلك بكاف في التتبع والدراسات الصحيحة، فهناك غير هؤلاء من الشعراء والكتاب قد ملأوا الدنيا الجديدة بعصارة عقولهم وقلوبهم، ونشروا عليها أجنحة ضافية من أخيلتهم السمحة، وليس أدل على ذلك من الصحف الكثيرات التي يصدرها إخواننا المهجريون في ديار الغربة أمثال مجلة (الشرق) و (العصبة) و (السمير) و (الهدى) وأمثال جريدة (البيان) التي كانت بحق لسان القومية العربية الذرب وقد قرأت من هذه الجريدة أعداداً كثيرة يوم كانت تصل إلى العراق قبيل الحرب ولا أغالي إذا قلت: إني لم أجد من بين صحفنا العربية هنا ما يشبهها حماسة وعروبة ودفاعاً عن البلاد العربية.
وحتى الأدب الشعبي كان له نصيب كبير من جهود المهجريين فقد كانت جريدة (أبجد هوز) التي يصدرها ناصر شاتيلا أروع مثال لهذا اللون الفكه فقد كان فيها نقد لاذع وفكاهة ممتعة باللسان اللبناني المحلى، وأجمل ما فيها تلك المحاكمات التي تعقدها لمحاسبة الأدباء فتخلط الهزل بالجد والنقد بالفكاهة، ومن الظريف أن تعرف - وإن كان خروجاً عن الموضوع - أن للشعر الشعبي قيمة ليست قليلة عند المهجريين وقد تدخل هذا الشعر في الإعلانات عن البضائع والمتاجر ولشد ما يضحكك أن تقرأ البيتين الآتيين على لسان بنت تخاطب أمها:
تا أحلي بعين الشبان ... بلكي حد إينحطبي
يا أمي بدي فستان ... من حرير لويس كمزي
وهذا اللون من الإعلانات بالشعر العامي يرجع بك إلى التأريخ العربي القديم في قصة (المحلق) عندما كسدت سوق بناته فلم يخطبهن أحد فاستضافه الأعشى وأطعمه وسقاه ثم طلب إليه يشيد بذكره فكانت تلك القصيدة المشهورة التي منها في وصف نار المحلق:
تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
ثم كان بعدها زواج بنات المحلق بأصدقة عالية. وفي قصة بائع (اُلخمُر) حين لم يجد من