ولو تركت الأمور لاحتمالات العقل، وقوانين المادة، لما استطعت أن تتنفس الهواء أو تشرب الماء خشية أن تكون فيه جرثومة داء، ولا ركبت سيارة لاحتمال أن تصطدم، ولا صعدت بناء لإمكان أن ينهدم، ولما استولدت ولداً لأنه قد يموت، ولا اتخذت خليلاً لأنه قد يخون، ولما اطمأننت على مال لأنه قد يسرق، ولا دار لأنها قد تحرق.
والإيمان بالقدر راحة لأنه لو كان الفشل من عملك وحدك، وكان النجاح من صنع يدك لقطعت نفسك أسفاً إن فشلت، أو سبقت.
والإيمان بالقدر عزاء، لأنك إن قدر عليك المصاب بولد، فاحمد الله ففي الناس من أصيب بولدين، وإن خسرت ألفاً ففيهم من خسر ألفين.
فهل عرفتم الآن ما حكمة القدر؟
هي أن نجد ونعمل ونسعى، ونبذل الجهد، ثم لا نحزن إن فشلنا، ولا نأس إن لم نصل إلى ما نريد وأن نكون مع القدر كمن يجتاز طريقاً فيه السيارات المزدحمات، فإن ذكر حوادثها وأخطارها وحدها لم يستطع أن يتقدم خطوة، وإن اعتقد من غروره أنه يستطيع أن يرد عنه السيارة المقبلة، ويدفع الخطر الآتي، لم يسلم، ولكن إن انتبه وسار بحذر، فهذا هو العاقل، ثم إن نجا حمد الهه أن قدر عليه النجاة، وإن أصيب ذكر أنه لم يقصر، وإنما هو حكم القدر. . .