بعد هذا يحق لنا أن نسأل ما مميزات هذا الأدب الفارسي الإسلامي في الشعر والنثر؟
فأما الشعر فيشارك الشعر العربي في موضوعه من الهجاء والمدح والغزل والفخر والوصف (في ميل إلى المبالغة) ويمتاز بأشياء:
(١) ذكر ملوك الفرس القدماء وأبطالهم مثل فريدون ورستم، وزال، وكأس جمشيد، وقد سرى هذا إلى الشعر العربي الذي نظم في بلاد الفرس كشعر بديع الزمان وأمثاله.
(٢) يمتاز الشعر الفارسي بميزتين عظيمتين: الشعر القصصي والشعر الصوفي.
فأما الشعر القصصي فقد أولع الفرس به في كل عصر، وقد رأينا أن أبان بن عبد الحميد نظم كتاب كليلة ودمنة بالعربية، وأن الرودكي أول شعراء الفرس الكبار نظم هذا أيضاً، ومن الأدلة على ولع الفرس بالقصص قصة يوسف وزليخا، فهذه القصة مأخوذة من القرآن، ولكن شعراء العرب لم يهتموا بها، وأما الفرس فقد نظموها مراراً، نظمها من كبارهم الفردوسي وجامي. ونظمها آخرون. ورواية وامق وعذراء التي قيل أنها قدمت لعبد الله بن طاهر فأمر بطرحها في الماء؛ نظمها العنصري شاعر محمود الغزنوي، ثم الفصيحي في رعاية كيكادس الزياري ونظمها أربعة شعراء آخرون.
وحسبنا شاهنامه الفردوسي التي حاكاها شعراء كثيرون فألفوا شاهنمات لم تنل ما نالته من القبول والصيت؛ ومن القصص المنظومة رواية خسرو وكل، وبلبل نامه لفريد الدين العطار، وسلامان وايسال لمولانا جامي وغيرها مما لا يتسع المقال لتعديدها.
وأما الشعر الصوفي فقد بدأه أبو سعيد بن أبي الخير من بلدة مهنا في خراسان، وأبو عبد الله الأنصاري من هراة. نظما فيه قطعاً ورباعيات، ولكن لم يكثر فيه التأليف الا بعد مدة طويلة، إذ نبغ طليعة فرسانه سنا، الغزنوي، ثم قفاه العطار ثم تلاه إمام الصوفية مولانا جلال الدين الرومي صاحب المثنوي الذي يسمى القرآن في اللغة الفارسية، ويقال لمؤلفه لم يكن نبيا ولكن أوتي كتاباً.
ومن بعد غارات التتار نبغ لسان الغيب شمس الدين حافظ الشيرازي والشيخ عبد الرحمن الجامي الذي يعد آخر شعراء الفرس العظام.
والحق أن اللغة الفارسية تبذ سائر لغات العالم بهذا النوع من الشعر النفسي الإنساني الفلسفي الذي يرتفع عن جدال المذاهب وعصبيات الأجناس، وينفذ إلى بواطن الأشياء