للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإسلام (عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء وكان أبوه يهودياً، وكانت أمه سوداء، وكان هو يهودياً ثم أسلم لا رغباً ولا رهباً، ولكن مكراً وكيداً وخداعاً). وهذا قصد حسن ونية جميلة، ولكن الحق أحسن منها وأجمل. وليس يجمل بنا ولا بالدكتور طه أن يغالط في الحق لشيء يراه هو أو نراه نحن حسناً جميلاً. والتاريخ لا يكتب بالتحكم، وإنما يكتب بالرواية، ثم بالاستدلال، ثم يبذل الجهد في سد الفجوات، وسبيل ذلك أن تأخذ من الماضي أسباباً وعللاً وحوادث ذات خطر، فإن استقامت أن تمتد معك إلى الحاضر الذي تؤرخه، فهي حقيقة بأن تكون شيئاً من التاريخ يوشك أن يكون حقاً كله أو بعضه.

ولست أحب أن أعلم الدكتور طه، ولكني سأضع بين يديه حقائق لا يدخلها الريب أبداً، ثم أسأله أن ينظر فيها، وأن يحكم هو بيني وبينه. وسأختصر القول اختصاراً، فإن أكثر مادة هذا الحديث مما لا أظن بالدكتور أن يجهله أو يغفل عنه.

فلنعد إلى حديث قديم كان قبل البعثة بقليل، وكان شديد الخطر في تاريخ العرب، وكان يوشك أن ينتهي إلى حديث جليل في تاريخ مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كان يسكن هذه البلدة الكريمة بنو أم واحدة وأب واحد من قبائل الأزد بن الغوث: أمهما قيلة، وأبوهما حارثة بن ثعلبة، وهؤلاء هم لأوس والخزرج، وكان يعيش بينهم هذا الجيل من اليهود الذي سكن جزيرة العرب، أو سكن المدينة، فكان من خبر ذلك شئ لم يكن مثله مثلاً بين بني هاشم وبني أمية، وهو الحرب المتطاولة بين هذين الحيين الذين ولدتهما أم واحدة، ويسكنان معاً بلدة واحدة. وظل هذا القتال بين الحيين متجدد النيران إلى أن كان (يوم بُعاث) وهو كما قال ابن سعد ج٣ قسم٢ ص١٣٥: (آخر وقعة كانت بين الأوس والخزرج في الحروب التي كانت بينهم. . . وكانت هذه الوقعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قد تنبأ ودعا إلى الإسلام، ثم هاجر بعدها بست سنين إلى المدينة).

ونشأة هذه العداوة العجيبة بين الأخوين: الأوس والخزرج، واقتتالهما هذا القتال المر العنيف حقباً متطاولة، ودخل اليهود في الحلف، بعضهم مع الأوس وبعضهم مع الخزرج، لا يصيبهم من أذى القتال بين هذين الحيين الأخوين إلا القليل، وتداعيهم باسم اليهودية إذا حزب الأمر، فيكونون يداً واحدة على هذه العرب، ليس له معنى إلا أن تكون هذه اليهود

<<  <  ج:
ص:  >  >>