للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شأس بن قيس اليهودي. (عن ابن إسحاق وغيره).

وأنا ألست أروي لك هذا إلا لتقف على كيد يهود كيف كان؟ ولتعرف كيف كان ترفقهم إلى إثارة العداوة بين هذين الحيّين منذ قديم؟ ولتنظر لم كانوا يحبون أن تظل هذه العداوة حية متوقدة ليأكلوا من ثمراتها مالاً وغلبة وسلطاناً على العرب؟ ولتقارن هذا كله بما لا يزال يجري إلى أيامنا هذه على يد هذه الشرذمة الخبيثة من بني إسرائيل!

ثم ينزل الله جلت أسماؤه في أمر هذه الفتنة يخاطب المسلمين الذين كان رسول الله بين أظهرهم، لم يمُت بعد: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتابَ يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تُتلى عليكم آياتُ الله وفيكم رسوله، ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم).

وإذن، فنحن لا نستطيع أن نكبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج عن أن يطيعوا فريقاً من اليهود حتى كادوا يردونهم بعد إيمانهم كافرين، ولا أن ننزههم عن ذلك وهم تتلى عليهم آيات الله وفيهم رسوله! كما فعل الدكتور طه حين أراد أن ينزه أهل الصدر الأول من الإسلام في سنة ٥٣ من الهجرة بعد أن قبض الله إليه نبيه بأكثر من عشرين سنة، وبعد أن نشأت ناشئة من الشباب لا يدَّعي أحد أنهم جميعاً كانوا أحرص على إيمانهم من أصحاب محمد وأنصاره الأولين. وهذا خبر واحد رويته، فإن شئت أن أروي الأخبار كلها لما وسعني كتاب أشرح فيه أمر هذه الفتن التي أرّثتها اليهود في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسعني أن أنص على كل آيات كتاب الله التي نزلت في أخبار هذه الفتن. وحسبي أن أذكر من نسي أن أخبار المنافقين والآيات التي نزلت فيه، كانت كلها في المدينة لا في مكة، وأن ذلك دليل على النفاق كان حيث تكون يهود، وأن (الأعراب) لم يذكروا إلا في السور المدنية مقروناً بالنفاق والمنافقين، وأن قول الله تعالى في سورة راءة (الأعرابُ أشد كُفراً ونفاقاً) نزلت في بني أسد وغطفان، وهم كانوا حلفاء يهود في الجاهلية وفي زمان الإسلام. وهذا شئ أرجو أن يتذكره الدكتور حتى نعود إليه.

ولم يكن كل هذا المكر والكيد والإيقاع عملاً جاء عفو الخاطر من اليهود. ولا كان مأتاه من إساءة لحقتهم من حلفائهم الأوس والخزرج من المؤمنين غير المنافقين، بل هو شر انطوت

<<  <  ج:
ص:  >  >>