للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبعد فلعل القارئ معي يلحظ في هذا الشعر ما لحظته فيه من رقة ولطف. ويضيق المقام دون الحديث كما ينبغي وكما نشتهي عن شعر ابن حجر. وليس به ما يشوب إلا هنات قليلة شاعت في فرسان عصره كخطأ لغوي أو استعمال عامي.

وإذ آن لنا أن نختم هذه الموجزة، نذكر أن ابن حجر كان يتخذ حكماً في المباريات الأدبية، مما يدل على علو كعبه في ذوق الأدب وتمييزه. حكوا أن ابن نباتة المصري مدح الكمال ابن الزملكاني القاضي بتائية بارعة صدرها بغزل مليح، ومنه في مطلعها:

قضى وما قضيت منكم لبانات ... متيم عبثت فيه الصبابات

فعارضها كثير من الشعراء، ومنهم برهان الدين القيراطي، قال في مطلع قصيدته:

ما لابتداء صباباتي نهايات ... يا غاية ما لعشقي فيه غايات

ثم جاء ابن حجة الحموي من بعدهما فعارضهما بقصيدة أخرى قال في مطلعها:

لعجبه ولذيل الهجر شمرات ... وللقلوب من الأجفان كسرات

ثم احتكم ابن حجة في التائيات الثلاث إلى ابن حجر، فحكم له ابن حجر وفضله عليهما وسجل ذلك في مكاتبة أدبية طريفة قال في صدرها: (لله الأمر من قبل ومن بعد. الحكم بين النظراء إنما يحسن ممن يماثلهم فيما به يرتفع الحكم. وفي إقدام من لم يرتق إلى تلك الطبقة نوع من الظلم. ولا يرتاب لبيب في أن كلاً من الثلاثة رأس هذا الفن في ومانه، وأنه لا يوازنه أحد من أقرانه.

وثلاثة كثلاثة الراح استوى ... لك لونها ومذاقها وشميمها). الخ

وبعد فهذه أثارة من أدب ابن حجر نوهنا بها أملاً في أن تثير الرغبة في دراسته بتفصيل وروية.

(حلوان)

محمود رزق سليم

مدرس الأدب بكلية اللغة العربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>