القدامى. ولكنها رقيقة لطيفة تنم عن عاطفة جميلة وشعور صادق. وبمناسبة الغزل نذكر أن بعض علماء العصر وفقهائه ممن نظموا الشعر، تغزلوا ووصفوا المؤنث والمذكر، وصرح بعضهم بأن هذا كان منهم على سبيل تمرين القريحة. وما هو إلا حب التقليد أو حب الظهور دفعاهم إلى شعر الغزل. وما كانت بهم من حاجة إلى الاعتذار أو التنصل، فكثير من شعرهم بدا متكلفاً ممجوجاً مستخذي العاطفة ضيق الحيلة ففضح نفسه بنفسه. ولكنا نشعر أن غزل ابن حجر ينم عن عاطفة جميلة وشعور صادق - كما ذكرنا - ولا نستطيع أن نقدم على هذه الدعوى دليلاً غير ما يفيض به غزله دون سائر شعره من رقة ولطف وسلاسة. قال في مطلع مدحة نبوية:
إن كنت تنكر حباً زادني كلفا ... حسبي الذي قد جرى من مدمعي وكفى
وإن شككت فسائل عاذلي شجني ... هل بت أشكو الهوى والبين والأسفا
أحبابنا ويد الأسقام قد عبثت ... بالجسم هل منكم بالوصال شفا
كدرت عيشاً تقضي في بعادكم ... وراق مني نسيب فيكم وصفا
ومنها:
وكنت أكتم حبي في الهوى زمناً ... حتى تكلم دمع العين فانكشفا
سألت قلبي عن صبري فأخبرني ... بأنه حين سرتم عني انصرفا
وقلت للطرف أين النوم بعدهم ... فقال: نومي وبحر الدمع قد نزفا
وهذه الأبيات أليق بباب الشكوى منها بباب الغزل، غير أن الشكوى هنا هي من صميم الغزل بل هي لبه وجوهره. وهي أدل على صدق العاطفة من الوصف الصريح. ومع هذا فاسمع قول ابن حجر من غزلية رقيقة:
طيف لمن يهوى ألما ... يطوي ذيول الليل لما
أهلاً به لو أن طر ... في للمنام يذوق طعما
حتام يا ريق الحبيـ ... ب أراك موروداً وأظما
وإلام يا قلب الكئيـ ... ب بأسهم الألحاظ ترمى
هلا صحوت من الغرا ... م فلم أراجع فيه عزما
وصبرت عمن لا يطا ... وع ما تشا نهباً وغرما. الخ