ذلك على القرائن والأدلة المختلفة وقد رأى صاحب كتاب الفتنة الكبرى قصة ابن سبأ هذه أو ابن السوداء تروى في بعض الكتب التاريخية الموثقة ولا تروى في أخرى، بل رأى أن الكتب التي كانت أكثر اهتماماً من غيرها بفتنة عثمان لا تروي هذه القصة من مثل طبقات ابن سعد وأنساب الأشراف للبلاذري فازداد شكه في القصة وازداد اتهامه وخاصة وأنه رآها تكبر وتتضخم مع مر الزمن فقال:(إن هذه القصة أكبر الرواة المتأخرون من شأنها وأسرفوا فيها حتى جعلها كثير من القدماء والمحدثين مصدراً لما كان من الاختلاف على عثمان).
وعلق على ذلك الأستاذ شاكر بأن الطبري كان أحد رواة هذه القصة، وقد ذكر مؤلف الفتنة الكبرى نفسه ذلك. وإذن فكلمة الرواة المتأخرين السابقة فيها إبهام شديد متعمد فيما يظهر. فإن الطبري ليس من الرواة المتأخرين، وقد روى القصة عن سيف بن عمر بشهادة المؤلف نفسه، وأظن أن كان ينبغي للأستاذ شاكر أن يلاحظ أن المؤلف لا ينفي عن بعض الرواة السابقين ذكر القصة، بل هو يثبت ذلك ويثبت بجانبه أن الرواة المتأخرين بالغوا في القصة أو على حد تعبيره أكبروا من شأنها وأسرفوا فيها.
وهذا كلام مستقيم، فقد أخذت القصة تطول وتتسع في البيئات الشيعية وعند خصومهم كلما تقدم الزمن حتى أصبحت أشبه ما يكون بالأسطورة. وكان هذا سبباً في أن يتهم مؤلف الفتنة الكبرى في بعض الوجوه. وأيضاً فقد لاحظ أن المصادر المهمة التي قصت أمر الخلاف على عثمان لم تذكرها من مثل طبقات ابن سعد وأنساب الأشراف للبلاذري.
وليس معنى ذلك أن المؤلف يقصد بذلك إلى التقليل من شأن الطبري كمصدر مهم في التاريخ الإسلامي وإنما معناه أنه يقارن ويقابل فيجد ابن سعد لا يذكر القصة كما يجد البلاذري، وهو أهم المصادر - في رأيه - لهذه القصة وأكثرها تفصيلاً، لا يرويها، إنما يرويها الطبري وحده بين المصادر القديمة، وهو يرويها عن سيف بن عمر.
وهذه المقارنة بين الطبري وغيره في هذه القصة جعلت مؤلف الفتنة الكبرى يتهمها، فقد أثار ذلك الشك في نفسه، وأظن من حق كل مؤرخ أن يشك ويتهم بعض الروايات القديمة وخاصة إذا لم تتآزر الكتب التاريخية المختلفة في روايتها.
وقد ذهب الأستاذ شاكر يبرهن على صحة القصة بأن طبقات ابن سعد طبعت من نسخ