من محدث مثله - مثال ذلك إيثاره لمصنف سيف المنحول عن التاريخ.) ثم عرفنا أن سيفاً هذا هو سيف بن عمر الذي روى عنه الطبري قصة عبد الله بن سبأ؛ أفلا يكون هذا كله سبباً في أن يتهم مؤرخ حديث قصة ابن سبأ؟
وإن من رجع إلى ابن عساكر يلاحظ أنه يروي كل ما يتصل بفتنة عثمان عن طرق مختلفة أكثرها طرق محدثين إلا قصة ابن سبأ فإنه يرويها مثل الطبري عن سيف بن عمر.
على أن ابن سبأ كان له ضربان من النشاط، نشاط مزعوم في عصر عثمان، ونشاط حقيقي في عصر علي. ومع ذلك فالنشاط الأخير قد بولغ فيه على ما هو معروف في قصته من الحرق والنفي الخ.
وهذا ما جعل مؤلف الفتنة الكبرى يؤخر الحديث المفصل عنه إلى الجزء الثاني من كتابه حتى يلم بهذه الشخصية من جميع أقطارها إلماماً دقيقاً. ألم يق في ص٢٣٢:(لم نفصل في هذا الجزء حديث عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء، لأنه طويل معقد، ولأن نشاطه الخطير إنما يظهر في رأينا أثناء خلافة علي فقد أرجأنا حديثه إذن إلى الجزء الثاني من هذا الكتاب). وقبل ذلك يقول في ص١٣٤:(وأكبر الظن أن عبد الله ابن سبأ هذا - إن كان كل ما يروى عنه صحيحاً - إنما قال ما قال ودعا إليه بعد أن كانت الفتنة وعظم الخلاف فهو قد استغل الفتنة ولم يثرها، وأكبر الظن كذلك أن خصوم الشيعة أيام الأمويين والعباسيين قد بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ هذا ليشككوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولائه من ناحية وليشنعوا على عيٍّ وشيعته من ناحية أخرى، فيردوا بعض أمور الشيعة إلى يهودي أسلم كيداً للمسلمين. وما أكثر ما شنع خصوم الشيعة على الشيعة).
ليست قصة ابن سبأ ' ذن قصة سهلة يسيرة يمكن أن تقبل لمجرد أن يرويها الطبري عن سيف بن عمر، بل هي أعمق من ذلك وأبعد. وأكبر الظن أن من حق المؤرخ إزاءها أن يقابل بين الروايات بعضها وبعض وألا يكتفي بوجودها في الطبري عن سيف بن عمر.
أما الروايات الثانية أو القصة الثانية التي وقف عندها الأستاذ شاكر فقصة كتاب المصريين وما كان من فضهم له في الطريق واطلاعهم عليه ثم عودتهم إلى المدينة ومحاصرتهم لعثمان، فإن الأستاذ شاكراً لا يأتي بدليل عليها سوى أنها جاءت عند البلاذري! كأن الأصل