بريطانيا أن تختدعه عن نفسه فأبى إباء الأحرار، وماج المغرب العربي في تونس والجزائر ومراكش، فضربت عليه فرنسا حكم الجبروت وألقت بينه وبين العالم أسداداً من فولاذ الظلم والطغيان، وسكت العالم الجديد عن هذا البغي اللئيم الذي ليس له رادع من نفسه ولا من الناس. وفارت مدغشقر فأطفأ المستعمرون تلك الأرواح المستعرة بأسنة الحراب. وأخيراً كشفت روسيا وبريطانيا وأمريكا وسائر الدول الصليبية قناع النفاق والرياء، فقضت أن تطلق على فلسطين أنذال البشرية من يهود، ليطردوا العرب من أرض آبائهم وأجدادهم منذ كان للعرب على هذه الأرض تاريخ، فأجمعت الأمم الإسلامية على أن ترد هذا العدوان وإن اجتمعت الدنيا كلها على تحقيقه ومناصرته.
ترى الجامعة العربية كل هذا كما يراه كل مسلم وعربي، ولكنها لا تزال تسير في أمر هذه الثورة الجامحة - التي يريد بها العرب والمسلمون أن يطهروا أنفسهم من الاستعباد، وأن يطهروا أرض الله من البغي والعدوان - سيرةً لم يسرها قبل مطالب بحق يعلم أنه حق لا نزاع فيه. فهي تشغل نفسها مثلاً بقضية فلسطين وحدها - على خطر شأنها - وتنسى ما يجري في مراكش وتونس والجزائر، وما يحدث في العراق، وما هو كائن في مصر والسودان، وما لا يزال يحدث في أندونيسيا وسائر البلدان والأمم المطالبة بالحرية. ولعلها تقول إنها تنظر في الأهم ثم المهم، وإنها لا تريد أن تخرج عن الأصل الذي وضعت له والذي يدل عليه اسمها وهو (جامعة الدول العربية)، لا جامعة العرب، ولا جامعة الإسلام، ولا جامعة الشرق. وهذا حق، ولكن ما الذي يحسبها على هذا وحده؟ وما معنى أن تقصر أمرها على الدول العربية (المستقلة) في ظاهر الأمر؟ إن هذه الدول العربية (المستقلة) ليست مستقلة في حقيقة الأمر، وإلا ففيم ثورة مصر والسودان؟ وفيم ثورة العراق؟ وفيم غليان شرق الأردن؟ فليس من الرأي أن تظل الجامعة العربية مقيدة بأشياء هي حبر على ورق؛ بل ينبغي أن تضم إليها رجالاً من تونس والجزائر ومراكش، وينبغي أن تضم إليها رجالاً من سائر الدول الإسلامية والشرقية ممن لهم مع العرب صلات لا يمكن أن تقطعها هذه القواطع المزيفة، وينبغي أن تعلن الجامعة العربية أنها قد أخذت على عاتقها أن تدافع عن حرية العرب وحرية المسلمين، وينبغي أن تكون هي المؤتمر العام الذي ينضم إليه كل ناشد للحرية في هذه الأرض مهما اختلفت الأجناس والأديان.