بل ينبغي أن تجمع الجامعة العربية في يدها أمر السياسة العربية والإسلامية جملة واحدة، وأن تضع المبادئ التي يجب على كل أمة تنضم إليها أن تعمل بها، وأن تكون هي المعبرة عن النداء العام الذي تنادي به هذه الأمم والشعوب وهو: الحرية! وينبغي أن تسير في ذلك كله مرة واحدة، فلا تفرق قضية الحرية إلى قضايا كل واحدة منها تعالج على أسلوب يخالف أخاه أو يتخلف عنه
إن روسيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وسائر الدول المستعمرة، أو أذيال الدول المستعمرة، قد اتفقوا جميعاً على العرب والمسلمين وأهل الشرق، ففيم نتأخر نحن أو نحجم أو نتلجلج؟ ولم لا نعمل جميعاً جملة واحدة، ويداً واحدة، وفي وقت واحد، وأي عائق يعوق المطالبين بالحرية والناشدين لها عن اجتماع الكلمة على هذا الحق الذي لا يملك أحد أن يمنحه أحداً، لأنه عطية الله ونعمته، ليس لأحد أن يسلبه؟ وكيف يسلبه وهو قوام هذا البنيان الإلهي؟ فإذا خلا هذا البنيان من الحرية، فقد خلا من الحياة وانهدم، وكان أنقاضاً تسعى على أرض تلفظها، وتستظل بسماء تلعنها.
إن جامعة الدول العربية، إنما تتكلم اليوم باسم الشعوب العربية لا باسم الحكومات وحدها. فلتعلم الجامعة أن الشعوب قد سئمت هذه السياسة العتيقة البالية، سياسة المداورة والمحاورة، سياسة الظنون الخداعة، سياسة المغررين الذي يحسبون أن سينالون حقوقهم بالمفاوضات والمحادثات والمخابرات والمخادعات. فلتحذر إذن أن تقف دون الغاية التي تسعى إليها شعوبها، ولتخط الخطوة الواسعة التي خطتها الشعوب في سبيل درك الحرية وانتزاعها من الجبابرة الظالمين. إنها اليوم أعظم قوة في هذا الشرق العربي والإسلامي، فلزام عليها أن تنطق بإرادة هذه الشعوب مجتمعة، لا بإدارة حكومات تغرر بها السياسة، ولا بإدارة أفراد مهما بلغ سلطانهم فهو دون سلطان الشعوب التي يمثلونها، بل ينبغي أن تكون الجامعة هي الرقيب الذي لا ينام على إرادة هذه الحكومات وعلى إرادة هؤلاء الأفراد، طبقاً لإرادة الشعوب وحدها.
إني لا أزال أنذر الناس أننا نعيش اليوم في زمن غير الزمن الذي ألفوه منذ خمس سنوات وحسب، فاليقظة التي تدب اليوم في كيان الشعوب العربية والإسلامية أضخم وأعظم وأقوى مما يخطر ببال أحد، إنها القوة التي لا يقف دونها سلطان ولا طغيان ولا بأس. نعم،