إن النظر العابر الخاطف لا يكاد يدل على هذه الحقيقة، ولكن النظرة المتأنية المتعمقة تستطيع أن تحس بهذه الحركة الجياشة التي فار فائرها تحت هذا الظاهر الساكن المطمئن. وإنما يغفل من يغفل عن إدراك هذه القوة، لأنه ألف شيئاً مضى، فقاس عليه شيئاً جديداً يراه وهو متأثر بهذا الماضي، ولأنه مسوق في عنان هذه السرعة الخاطفة التي يجري بها عالمنا الحاضر إلى الغايات التي لا يعلم غيبها إلا عالم غيب السموات والأرض. ولكن الجامعة العربية قد فرض عليها أن تنظر النظرة المتأنية العميقة لتدرك هذه الحقيقة التي لا تخفى، ثم نقيم سياستها على هذا الأصل وحده دون الأصول الأخرى التي ورثتها عن السياسات العتيقة، سياسة المفاوضات والمخادعات، وسياسة الأخذ والإعطاء، وسياسة تقسيم القضية الواحدة - قضية الحرية
إني أنذر الحكومات، وأنذر الجامعة العربية بأن هذه اليقظة القوية العنيفة سوف تنكشف عن قريب، وأنها إذا لم تجد الحكومات، ولم تجد الجامعة العربية، قد تهيئوا للسير في خطاها. فهي ستدمرهم جميعاً عصف الرياح بهشيم النبات. فليتق الله كل عامل منا، ولينظر إلى غد، وليعرف حقيقة هذه الشعوب، وليأخذ نصيبه من التبعة التي ألقاها عليه مكانه من الناس ومن الشعوب
إن قضية الشعوب العربية والشرقية والإسلامية (قضية واحدة)، فاكتبوا هذه الكلمة في كل مكان، ورددوها بكل لسان، واهدروا بها هدير الأمواج في هذه البحار المظلمة، فإنها كلمة النجاة لكم ولشعوبكم وللناس جميعاً.
إن ساعة الخطر الأعظم قد دنت وتطابقت علينا عقاربها من هنا ومن ثم، وإن بريطانيا أولاً ثم أمريكا وروسيا وأذيالهم من أمم الاستعمار الصليبية، تدرك هذه الحقيقة كل الإدراك، فهي تريد أن تمزق شمل هذه القوة قبل أن تجتمع وتبدو جملة واحدة. فبريطانيا تريد أن تشغل كل قبيل منا أول كل دولة بشأن من شئونها التي تثير جماهير رجال السياسة القدماء، أولئك الرجال الذي نشئوا في أحضانها، أو في أحضان استعمارها الخبيث. وأمريكا تريد أن تشغل كل أمة منا باللعنة الماحقة التي تقوم عليها قوتها وهي البترول ومنابع البترول، تشتريه من هذه الأمم الفقيرة بأبخس الأثمان، فتنقله إلى بلادها فيكون أرخص ثمناً من البترول الذي تستخرجه من نفس أرضها! وتخدع هؤلاء المساكين