حديثه أن الآية المتقدمة (هزؤ وسخرية ممن يريد تعدد الزوجات وأن فيها إيكال الأمر لمن يعلم الله أنه لا يستطيع القيام بالأمر. فمخاطبة غير المستطيع بما هو من شأن المستطيع تلك كلها سخرية بالمخاطب: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع. . .! ثم إنه كيما يرد المخاطب إلى مقتضى العقل الصحيح، ولكي يعبر عما يجده المخاطب في نفسه من عدم الاستطاعة أضاف فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة. . . أي وأنا أعلم كما تعلمون أنكم تخافون عدم العدل لأن غرائزكم الفطرية تحملكم على هذا الخوف (ومؤدى ذلك أنها مسوقة قصداً لبيان حكم تعدد الزوجات، وإنه التحريم في الجملة على نهج خاص من الأسلوب، لا لغرض آخر. فالفرق أوضح من أن يحتاج إلى إيضاح.
(ب) استقر رأي معاليه أيضاً على أن آية (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) مقصود بها بيان أن العدل المطلوب في الآية المتقدمة - وهو العدل المطلق الكامل - وإن كان غير مستطاع إلا أنه غير مشروط في الوجات الموجودات وقت نزولها فرخص سبحانه - تخفيفاً ورعاية لحقوقهن المكتسبة قبل هذا التشريع - بالإبقاء عليهن وإن كن متعددات للرجل الواحد بشرط العدل المستطاع بينهن، وذلك بقوله تعالى (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) على أن يكون ذلك حكماً مؤقتاً خاصاً بهن دون من يعقد عليهن بعد ذلك اللائي يسري عليهن شرط العدل المطلق الذي هو الحكم الدائم. فهذه الآية (مجرد تخصيص أو بيان لحكم (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) من جهة زمان تطبيقه) بينما كان يرى في حديثه أن أحد شقي هذه الآية وهي قوله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) إنما هو تعبير عن فكرة الآية الأولى القائمة على السخرية بمريدي التعدد وتحديهم باشتراط العدل (تعبيراً هو من أشد ما يكون بياناً للواقع الذي يعلمه هو فقال. ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم. . . ولن، كما يقرر النحاة، هي أشد أدوات النفي للمستقبل إذ تنفيه نفياً باتاً؛ فالقرآن يسجل بصريح العبارة أن الاستطاعة مستحيلة. أي أن العلة المتوهمة للتصريح بالتعديد لن تتحقق أبداً) هذا ولم يتعرض في حديثه إطلاقاً للشطر الثاني المكمل للآية وهي قوله تعالى (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) مع أنه اعتبره في رأيه الأخير مناطاً للحكم المقصود بالآية كلها وهو استثناء الزوجات الموجودات وقت النزول من اشتراط العدل المطلق على