للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ما بينا.

(ج) وبعدما بسط معاليه ما استقر عليه رأيه أخيراً في تأويل الآيتين على النحو المتقدم استشعر تضارباً ظاهراً بين التأويل يتمثل في تقريره أن الآية الأولى ليست مسوقة لتحديد عدد الزوجات الجائز الجمع بينهن مطلقاً وإنما هي مسوقة لغرض آخر، وتقريره في الوقت نفسه أن الآية الأولى في الجملة مما يتعين معه أن تكون هذه مسوقة للحكم المذكور وإلا لما احتيج إلى تخصيصه، كما استشعر أيضاً ركة تشوب النظم الحكيم بالأخذ والرد في غير ما حاجة لذلك لهذا التأويل، فتكلف لسد هذه الثغرة تعليلاً ينطوي على كثير من البراعة وقد جاء ذلك في البند ١٥ من بحثه تحت عنوان. . لا إشكال في النصوص، وفي البند ١٥ في سياق محاولة رد تمسكي عليه بكلمة (بتاتاً) - وحاصل هذا التعليل (أن الآية الأولى لم تأت قط بقصد التصريح بتعديد الزوجات إلى أربع فقط كما هو مزعوم وإنما أتت بظاهرها. غير مانعة من أخذ أي عدد كان من النساء، ولكنها مع هذا التوسيع التفريعي الجزاف خشيت أن يسيء المخاطبون فهمها فنبهتهم إلى لزوم الاقتصار على واحدة عند خوف عدم العدل. وبما أنه يبدو أن النبي وكثيراً من الناس كانوا على عادة العرب متزوجين بأكثر من واحدة، فخوفهم من عدم العدل حاصل بالطبع وقلوبهم واجفة واقعة في الاضطراب حتماً، وهي حال لا تطاق، فما العمل؟ هل يسارعون إلى العمل بقوله (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) وحينئذ يفارقون ما زاد على واحدة؟ أم إن الله في لطفه وكرمه والدين الإسلامي في يسره وسهولته ينظر إلى الزوجات التي تبين، والأطفال التي تهمل، والبيوت التي تخرب، والعرب الواجب تأليف قلوبهم لا تنفيرهم، فيجعل تشريعه للمستقبل ويتساهل في الماضي وفي أثر النكاح القائم ويتركه حتى يزول بطبعه بعد قليل من الزمن، شأن كل تشريع سليم يرضاه العقل ويطيقه الاجتماع؟ يبدو لي أن هذا هو الواقع، وأن المسلمين هلعوا وجأروا هم والنبي إلى الله متململين من هذه المحنة الراهنة فلطف بهم فبين مراده بأن أنزل قوله (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة). . . الخ) إلى أن قال معاليه: (لأننا جميعاً نعرف - كما أشرت إليه من قبل - أن الدين الإسلامي عالج نقائص العرب تدريجاً مع الأناة والتلطف والابتعاد عن كل ما ينفرهم بلا مقتض. ومسألة تعديد الزوجات كانت من العادات المتأصلة فيهم، فمصادمتهم بتحريمها بالنص القاطع القاسي لا محل لها لكنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>