الجموح من غير شكيمة، أو بالسائق يحاول أن يقف السيارة المنحدرة من غير فرملة. لقد انفجر في صدرها شريان العواطف الطاغية، فهو لا ينفك يفور بالهوى الجياش وينفح بالشهوة الدافقة. وهيهات أن يحسمه رَقوء أو ضماد! أعياني الانفجار فتركت العرق العاند ينزف، ووقفت منه موقف الحائر المشدوه أنظر إلى العواطف المسفوحة وهي تتمثل في ألوان قوس الغمام، وتتشكل في صور من الأخيلة والأحلام، ثم تتحول إلى قطع من الأسجاع والأنغام، فأعجب أو أطرب أو أغضب، ولكني لا أملك غير ذلك، ولا أستطيع وا أسفاه أن أصدها عن هذه المهالك!
أخذت كتبها تنثال علي بعجيب الأحاديث وغريب الحوادث فأقرأها ولا أجيب عنها. لقد برزت في رسائل هذا الطور عارية، فلا حياء على الوجه، ولا احتشام على الجسد. صرحت بأنها لم تكن صادقة حين كتبت إليّ في أول الأمر تطلب المعرفة أو تبغي النصيحة، إنما لبست هذا البرقع الكاذب لتستطيع أن تدخل علي في وضح النهار من الباب العام، حتى إذا حصل التعارف وبدأ التآلف حسرت برقع الرياء ووضعت وجه المرأة أمام عين الرجل وقالت له! ها أنا ذي كما خلقني الله ووجهني القدر! خلت حياتي من كل عمل ومن كل أمل فلا أفكر إلا في الحب، ولا أحلم إلا بالحبيب. كنت في المدرسة الداخلية لا أسمع من أترابي غير أحاديث الهوى، يؤلفنها في حوادثهن وخيالهن، أو يسرقنها من أمهاتهن وأخواتهن، أو يروينها عن جاراتهن وصديقاتهن. فصديقتي فلانة تقول لي إنها عرفت صاحبها من النافذة، وراسلته مع الخادمة، وقابلته في سينما مترو! وصديقتي علانة تروي لي أن صاحبها صديق أخيها، عرفته في غرفة الاستقبال، وكلمته في حديقة المنزل، ثم واعدته في حديقة الأسماك! وصديقتي ترتانة تحكي لي أن صاحبها صاحب سيارة - والسيارة لو تعلمين فخ البنات - رآني أول مرة وأنا عائدة وحدي إلى البيت، فعز عليه أن أمشي، وناشدني الله أن أركب، فركبت وتعاهدنا على الوداد المحض في طريق الماظة! وكانت كل واحدة منهن تصف القبل الطاهرة، والعناق البريء، والحديث الغزِل، والخلوة العفيفة، والخروج المختلَس، والرجوع الخفي، والعلل المكذوبة، والمواعيد المضروبة، بأسلوب يحرك الساكن ويظهر الباطن ويجرئ الهَيوب، وأنا أصغي إلى هذه الأحاديث بحواسي الخمس، حتى إذا خلوت بنفسي ورقدت على سريري استذكرت هذه الأحاديث،