للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فلماذا نجعل من هؤلاء الأطفال أعداء لنا؟ لماذا لا نحبهم فنعلمهم الحب؟ أليسوا أزهاراً في روض الحياة؟ أليست كل زهرة حلوة ولو تلطخت بالوحل؟ أليس كل صغير جميلاً ولو كان قطاً أو كلباً؟ أفنحب القطة الصغيرة ونمسحها ونضعها على الأحضان ونكره هؤلاء الأطفال؟ وما لهم؟ ألأنهم قذروا الوجوه والثياب؟ إن القذارة لا تحب، ولكن أهذا ذنب أمهاتهم، لا يغسلن وجوههم وهن على النيل؟ لا، بل هو ذنبي وذنب كل واحد منكم وذنب الكتاب وأولي الأمر، إنهم لم يعلموا هؤلاء الأمهات النظافة، ولم يقل لهن أحد أن النظافة لازمة والوساخة مؤذية. ومن يقول لهن، وهن شحاذات على الطرقات، لا يكلمن أحداً بغير السؤال، ولا يكلمهن أحد أبداً؟!

وما يدريني أن ابنتي أو ابنة أحدكم، لا سمح الله، ستلقى مثل هذا المصير؟ من منا أخذ على الدهر عهداً أن لا يزيل عنه نعمة؟ هل أمنا المرض والفقر؟ هل وقفنا حركة الفلك؟

وهل نسينا أن في الوجود إلهاً، وأن بعد الدنيا آخرة؟ فكيف سوغنا لأنفسنا مع هذا كله إهمال هذه (الإنسانية) الصغيرة المبرأة الطاهرة؟ لقد كان فينا مقلدون متحذلقون ألفوا جمعيات للرفق بالحيوان. . . ولكن لم ينشأ فينا إلى اليوم من يؤلف جمعية للرفق بالإنسان؟ لقد بلغ الخزي من نفوسنا أن كان فينا أناس يطعمون الكلاب المدللة، اللحم السمين والشكولاتة الغالية، وحولهم بشر لا يأكلون اللحم مرة في الشهر؛ ولم يتذوقوا الشكولاتة أبداً. . .

إذا شئتم أن تذوقوا أجمل لذائذ الدنيا، وأحلى أفراح القلوب، فجودوا بالحب وبالعواطف كما تجودون بالمال. . .

دمشق (صندوق البريد ١٩)

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>