أ - في القصاص - جريمة القتل اعتداء على نفس المجني عليه وسلب لوجوده وامتهان لجماعته الذين يعتزون بحياته ويتأثرون بنشاطه؛ فإذا افتقدوا وجوده وكيانه وحرموا من عونه ونشاطه كانت هذه الجريمة من بعض نواحيها واقعة على ولي الدم؛ وطبيعي أن أول المسارعين إلى رفع هذا الذل والامتهان والأخذ بالثأر لقتيلهم هم عصبة الذين رزئوا بوفاته وأصيبوا في مقتله.
ولما كان في جريمة القتل أيضاً إخلال بالأمن العام وإفساد لراحة الجماعة وإزعاج لطمأنينتهم أعطى الشرع الإسلامي حق القصاص لولي الدم كما أعطاه للجماعة في شخص الحاكم إذا كان الجاني مسرفاً بالإجرام معروفاً بالشر وجب بتره من المجتمع
وكما أن لولي الدم حق القصاص فقد جعل له حق العفو أيضاً لأن في ذلك اطمئناناً للنفوس وتطهيراً لها من الأحقاد والضغائن، فليس أحب إلى الإنسان من العفو عند المقدرة - ولم يجعل الإسلام لولي الأمر حق العفو إذا ما تمسك ولي الدم بالقصاص وذلك تجنباً لوقوع الفتن والاضطراب وخشية الإسراف في الأخذ بالثأر وإفلات زمام الأمر من الحاكم.
أما إذا اختار ولي الدم العفو فخياره نافذ - ما لم يتمسك ولي الأمر بعقوبة الجاني تعزيراً في حالة ما إذا كان معروفاً بشدة إجرامه وظهر للحاكم أن عقابه ضروري لحفظ الجماعة واستتباب الأمن - وقد احتضن هذه الفكرة القانون الوضعي الحديث وتوسع فيها إلى أن سلب من المجني عليه حق القصاص والعفو وقصرهما عليه كما سيأتي.
المساواة في العقوبة:
- كان نظام الطبقات معروفاً عند الرومان فجاء الإسلام ومحا هذه الفروق وسوى بين النفوس وجعل الدماء متكاتفة والجراحات متناسبة في القصاص. روي عن عائشة رضي الله عنها قالت - كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع ولا ترجعه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد وكلموه فكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقال له: (يا أسامة ألا أراك تشفع في حد من حدود الله. ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال: إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف