للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحديد لازماً لهذا المعنى الذي ليس له في الواقع لازم عقلي، وغاية ما فيه أنه يمكن الخروج من النص - إذا أغفلنا معنى تحديد التعدد المتعارف منه - بأنه لم يرد فيه ما يوجب التحديد، والفرق بين الناحيتين واضح إذ الأولى ناحية إيجابية كان يجوز لو وجدت أن تكون مقصودة للشارع، أما الثانية فلا يمكن أن تكون مقصودة له لأنها أمر سلبي.

(الوجه الثاني) أنه حتى على التسليم بأنه هذا المعنى لازم للعبارة فلا يمكن أن يكون مكنياً بها عنه إذ يشترط في الكناية - كما هو معلوم - جواز إرادة المعنى الأصلي. وقد سلم معنا الباشا بأن هذا المعنى لا يمكن أن يكون مراداً. على أنه ليس مما يناسب بلاغة القرآن ومقاصده - وهو بصدد تأليف العرب بعد مصادمتهم في العادات المتأصلة فيهم كما يقول الباشا - أن يستعمل في ذلك عبارة تخالف - في ظاهرها على الأقل - ماجريات هذه العادات وقد كانت له مندوحة عن ذلك باستعمال الحقيقة، بدلاً من الكناية، في هذا المقام.

الدليل الرابع - أن القرآن لو أراد بهذه الآية تحديد تعدد الزوجات بالأربع لعبر عن ذلك بعبارة بسيطة موجزة (يحل نكاح النساء إلى أربع) بل لنص على تحريم ما وراء الأربع في آية المحرمات

والرد على الشق الأول من هذا الدليل أن التعبير على هذا النحو لا يتناسب والمستوى الرفيع لأسلوب القرآن القائم على قواعد من الترغيب والترهيب، والتبشير والتنفير، والوعظ والزجر، والوعد والوعيد، مما هو وحده كفيل بتحقيق أغراضه السامية؛ فقد أراد سبحانه أن يبين للعرب بهذه الآية الكريمة مما أطلقه لهم من سعة في أمر النكاح المشروع تغنيهم عن مقارفة الحرام فشرع لهم نكاح كل منهم اثنتين بدلاً من واحدة إن أمن الجور، فثلاثاً بدلاً من اثنتين إن أمن ذلك، فأربعاً بدلاً من الثلاث إن أمن ذلك أيضاً، فإن هم خافوا الجور في الأربع فليعدل الخائف عنهن إلى الثلاث أو الثنتين، أو الواحدة، أو ما ملكت يمينه. ولا يخفى ما في سوق التعبير على هذا النحو من بلاغة مقنعة للمخاطبين مما لا تفي به العبارة التي رآها الباشا (بسيطة موجزة)

والرد على الشق الثاني من الدليل أن آية المحرمات لم تستقص كل النساء المحرم نكاحهن، فلم يرد فيها مثلاً ذكر لزوجات الأب اللائي حرم نكاحهن بآية أخرى هي قوله (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا) وذلك عناية منه

<<  <  ج:
ص:  >  >>