أراه يطيب له (أي للفاعل) بمعنى أنه حلال أو يحل - أقول فضلاً عن ذلك فليس فيما فهم به الباشا هذين اللفظين ما يعكر على دلالة الآية على تحديد التعدد، ذلك أن العموم المستفاد من (ما) إنما هو (عموم وصفي) أي مستغرق لجميع الأفراد المندرجة تحت وصفها (لأنها نكرة موصوفة فتكون مقيدة، بوصفها كما هو معلوم) لا (عموم عددي) فالتحديد بعد ذلك في العدد لا يتعارض والعموم لأنه تحديد لغير الجهة المقصود عمومها، وإنما يمس عموم هذا اللفظ ما يخرج منه بعض أفراده أي ما يخرج بعض النساء الطيبات عن حل نكاحهن كما لو قال (فأنكحوا ما طاب لكم من النساءِ على أن كن مسلمات (أو غير يتيمات)) فتخرج في هذه الحالة الكتابيات واليتيمات مع اندرجهن تحت عموم النكرة الموصوفة. وإلا فليتفضل معالي الباشا فيدلنا على صيغة أخرى كان يمكن نزول القرآن بها للدلالة على حل نكاح ما يطيب للرجل من النساء في حدود الأربع. على أني أسارع فأنبه إلى أنه حتى على التسليم بأن في القول بدلالة الآية على تحديد التعدد قصراً وتحديداً لعمومها المستفاد من لفظ (ما) فليس في ذلك ما يصح اعتباره عدم تساوق يطعن على البلاغة إذ غاية ما فيه أنه تخصيص علم وذلك مألوف ومتعارف في القرآن وفي غيره من بليغ كلام العرب حتى قالوا (إنه ما من عام إلا وخصص) وجعلوا من أنواع العام: العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص.
الدليل الثالث: أن القول بدلالة الآية على حكم تحديد التعدد يؤول بنا إلى نتيجة منكرة: ذلك أن مثنى وثلاث ورباع معناها المتفق عليه عند الجميع اثنان اثنان وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، فيكون المعنى أن يأتي الرجل لامرأتين فيتزوجهما في وقت واحد بعقد واحد، أو لثلاث نساء أو لأربع فيتزوجهن في وقت واحد بعقد واحد كذلك. وهذا من أشد ما يكون إفساداً للفكر لمخالفته ما هو معلوم من مجريات العادة عند العرب وغير العرب في الزواج. فليس إذن المعنى الحرفي هو المقصود وإنما هذه الألفاظ كناية عن الأخذ الجزاف المنافي لكل تحديد؛ لأن عبارة (مثنى وثلاث ورباع) أتت بكل ما في العربية من ألفاظ الصفات العددية التوزيعية إذ لم يسمع في العربية بعدها إلا لفظ (عشار) فقط
ويرد على هذا الدليل من وجهين:(الوجه الأول) إقرار معاليه على ما رآه من أن المعنى الحقيقي لهذه الألفاظ لا يمكن أن يكون مراداً بها، ومع أن يكون الأخذ الجزاف المنافي لكل