ثم قال الأستاذ: إن مصر كانت بعيدة عن الحركة العربية الأولى، لأنها كانت في شبه استقلال عن الدولة العثمانية، وكانت اللغة الرسمية فيها العربية، وكانت تنظر إلى الدولة العثمانية على أنها دولة الخلافة الإسلامية، فهي تتجه إليها بعواطفها، بل كانت تتطلع إليها للخلاص من الإنجليز؛ ومن الغريب أن الأتراك الذين ينظر إليهم المصريون هذه النظرة - كانوا يحسدون المصريين على ما هم فيه من الحرية المفقودة عندهم، لأنهم كانوا يعانون الاستبداد وتقييد الحريات.
ولكن مع مرور الزمن تنبه المصريون إلى الحقائق وأدركوا مرامي الفكرة العربية، وشعروا بضرورة التقارب بين البلاد العربية، وأخذ الأفراد والجماعات في جميع البلاد العربية تسير نحو هذا التقارب بمختلف الرسائل، حتى انتهى الأمر إلى شعور الحكومات بذلك، فجعلت تتقارب، حتى تكونت جامعة الدول العربية، فأخذت الفكرة العربية بذلك صبغة رسمية.
ثم قال الأستاذ: إلى هنا ينتهي الجانب التاريخي، أما بعده فهو الجانب السياسي لأنه كلام في الحاضر، وأنا أريد أن أتجاوز هذا الحاضر فأتنبأ بالمستقبل، لأني أرى الظواهر الاجتماعية كالظواهر الطبيعية من حيث دلالة الأمور على ما تفضي إليه، وقد صحت نبوءتي منذ نحو عشرين عاماً بأن مصر ستتحول إلى الفكرة العربية وتعتنقها - لذلك أستطيع أن أقول - بعدما أذكركم بما لاحظناه في المحاضرات السابقة من أن اللغة والتاريخ يدفعان إلى القومية حتماً - بأن جامعة الدول العربية ما هي إلا بذرة وخطوة في سبيل كالتي سارت فيها الإمارات الألمانية. . .
تأبين الجميل باشا
أقام مجمع فؤاد الأول للغة العربية يوم الأحد حفلة تأبين لعضوه المغفور له أنطون الجميل باشا بدار الجمعية الجغرافية الملكية، فافتتح الحفل الدكتور فارس نمر باشا بكلمة قصيرة نائباً عن الرئيس الذي لم يحضر لانحراف ألم بصحته. ثم ألقى الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني كلمة ضافية تتبع فيها مراحل حياة الفقيد وعمله في خدمة الأدب والصحافة، وأفاض في بيان مزاياه وصفاته الخلقية الكريمة.
ثم ألقى الأستاذ علي الجارم بك قصيدة متينة التركيب عالية البيان، وأستطيع أن أصفها