الجمال الذي نالت به أكبر المدح والإطراء ولكنه عجز عن إيقاظ الحب في القلوب.
وخشي أبواها أن يكونا قد أثارا سخط الآلهة، ولذلك استشارا الكهان في أمرها؛ فعلما إذ ذاك بأنه كتب لها أن لا يكون زوجها من البشر، وإنما هو وحش مروع ينتظرها على قمة جبل قريب. فملأت هذه الكلمات قلبيهما رعباً وحزناً؛ ولكن بسيشي قالت لهما: - (ولم تنتحبان علي الآن؟ لقد كان أجدر بكما لو حزنتما عندما كان الناس ينثرون علي باقات الثناء الذي لا أستحقه، حتى بلغ بهم إجلالي أن دعوني فينوس! إنني أقدر الآن بأنني ضحية ذلك اللقب؛ هيا إذاً أوصلاني إلى الجبل الذي سألقى عليه حظي العازب!).
وتمت جميع الترتيبات؛ وأخذت الحسناء مكانها في الموكب المتوجه إلى الجبل، ما بين نحيب الناس وعويلهم. وهناك تركوها وحيدة، وعادوا إلى بيوتهم.
وقفت الحسناء على حافة الجبل بقلب لاهث من شدة الخوف، وعينين محمرتين من كثرة الدموع. وإذا بالريح الغريبة اللطيفة تأتي وتحملها إلى واد مزهر. وهناك ألقت بنفسها على الضفة الخضراء واستسلمت للنومز ولما استفاقت نظرت حولها، وإذا بها ترى حديقة غناء ضفرت على حفافي ممراتها أكاليل من الخضرة الزاهية؛ فدخلتها، ودهشت إذ رأت في وسطها نبعاً تفيض منه مياه بلورية صافية، وبالقرب من النبع قصراً بهياً، أعمدته ذهبية لامعة، وجدرانه مرصعة بالرسوم والنقوش البديعة التي ترتاح لها العين، وتنعم القلب بالبهجة والسرور.
وعندما توغلت في الحديقة، رأت غرفاً وقاعات فخمة، تغص بالكنوز الثمينة وبثمرات الفن الرفيع والطبيعة الخلابة. وإنها لكذلك، إذ بها تسمع صوتاً يخاطبها قائلاً:(أيتها الفتاة الفاضلة! إن كل ما ترينه ملك لك! وإنما الأصوات التي تسمعينها أصوات جواريك اللواتي ينتظرن تنفيذ ما تأمرين به. فإذا ما أردت الاستراحة فهناك على فراشك الوثير؛ أما العشاء، فإنه ينتظرك في الخميلة المجاورة).
وفعلت الحسناء كما أشير عليها؛ فبعد أن استراحت جلست في الخميلة، حيث وجدت مائدة معدة، عليها من المأكولات ألذها، ومن الخمور أجودها. كما وإنها شنفت أذنيها لسماع الألحان العذبة التي كانت تعزفها فرقة موسيقية خفية.
ولكنها حتى ذلك الوقت لم تكن قد رأت زوجها الموعود، لأنه كان يأتيها في ساعات