الظلام، ويغادرها قبل انبثاق الفجر. ولطالما تضرعت إليه أن يمكث عندها لتتمكن من مشاهدته؛ ولكنه لم يكن ليوافق أبداً، بل كان يقول لها: - (ولم ترغبين في مشاهدتي؟ هل تشكين في حبي لك؟ إنني أخشى إن رأيتني إما أن تخافي مني، أو أن يستحيل حبك لي عبادة حارة؛ وكل ما أرجوه أن تقابليني بمثل حبي!).
وكأن هذا الجدال قد هدأها مدة من الزمن، لاسيما وقد استمرأت تلك السعادة التي رتعت فيها. ولكنها عندما كانت تخلو بنفسها، كانت تحن إلى أبويها وأختيها. وفي إحدى الليالي طلبت من زوجها أن يسمح لأختيها بزيارتها. فمنحها ذلك الطلب عن طيبة خاطر.
وأمرت الحسناء الريح الغربية بإحضارهما. فأقبلتا في الحال، وعانقاها وتبادلن القبل مراراً. ثم دعتهما لدخول مخدعها والقصر الذهبي، وأرتهما هناك كنوزها العديدة. فلما شاهدتا ما هي عليه من النعمة ورخاء البال، بدأ الحسد ينخر في صدريهما. ولما استدرجتاهما إلى الاعتراف بأنها حتى ذلك الحين لم تكن قد رأت زوجها، بأتا تغويانها على خيانته، وتوغران صدرها بشتى أنواع الشكوك؛ وفي ذات مرة قالتا لها: - (أنسيت ما تنبأ به الكهان من أن زوجك ليس إنساناً؟ إنه وحش مريع يغذيك الآن بكل لذيذ ليأكلك في النهاية لقمة سائغة! فاعمل فاعمل يا أختاه بنصيحتنا؛ جهزي نفسك في الحال بمصباح وسكين حادة؛ وعندما يكون زوجك غارقاً في نومه، أشعلي المصباح، واقتربي منه، وقفي بنفسك على حقيقة حاله. فإذا تأكدت من صحة ما نقول، فلا تتواني دقيقة في قطع رأسه لتتخلصي منه!)
وقاومت بسيشي هذا الإغراء في بادئ الأمر؛ غير إنها استسلمت له في النهاية. وما إن أضاءت المصباح واقتربت من زوجها، حتى شاهدت بدلاً من الوحش المخيف الذي حذرت منه، إلهاً جميلاً ساحراً، تتدلى على رقبته العاجية ووجنتيه الموردتين، ضفائر ذهبية من الشعر، وينتصب على كتفيه جناحان نديان أبيضان، عليهما ريش لامع كنوار الربيع. وعندما أدنت المصباح من وجهه، سقطت على كتفه قطرة من الزيت الساخن فاستفاق إذ ذاك مذعوراً، وحدق فيها برهة، ثم أطلق جناحيه للريح؛ وطار من النافذة دون أن يفوه بكلمة واحدة. وعبثاً حاولت بسيشي أن تلحق به؛ فلقد سقطت من النافذة على الأرض. وعندما رآها كيوبيد تتمرغ بالتراب، توقف عن طيرانه ورجع إليها ثم قال: - (أكذا