وكان دائماً يبشر بقوله:(أنكم سوف لا تقترفون القتل) ولكنه مات قتيلاً!
وكان مثل تولستوي في لباسه الخشن، وفي نظرية عدم العنف والمقاومة السلبية، وفي دفاعه عن السلام ودعوته لإتيان الخير، والمعروف وللمحبة بين الناس جميعاً، وإن لم يكن تولستوي في مثل إخلاص غاندي!
وكان الناس في كل مكان يتشوقون إلى تذوق ثمار فلسفته، ولكن قلوبهم لم تعمر بمثل الإيمان الذي عمر به قلبه، فلم يفعلوا في سبيل تأدية رسالته شيئاً أكثر من التمني!
كان غاندي يعمل في سبيل الروح، ولكن الناس الذين بشر بينهم بمبادئه كانت تربطهم أسباب قوية بعالم الماديات الدنيوي في عالم الوقائع والأرقام التي عمته جميعاً حتى غزت الشرق نفسه، الشرق أبا الروحانيات ومهد السلام.
إلا أن الشرقي شرقي بطبعه وغريزته. وفي الشرقي لطف غريزي، فلم ينعت هؤلاء الناس غاندي بالجنون، كما نعت الروسيون والأوربيون تولستوي، ولكنهم بالغوا في نعتهم للفيلسوف الشرقي حتى ألهوه، وسموه القديس. . . سموه المهاتما!
ولعل غاندي أخطأ في مخاطبته لعامة الجماهير، وتبشيره بينهم، كما قال بعض مفكري الهند، وقالوا لو أن غاندي أنصف نفسه لجمع حوله خلاصة الشباب الطامحين إلى بناء الهند الحديثة، فإن التعاليم السامية العميقة تفعل فعلها في نفوس الذين أصابوا من الثقافة حظاً كبيراً؛ وإلى هذا يعزون بعض فشله في تعميم دعوته.
يقول السردار إقبال علي شاه عن غاندي والشعب الإنجليزي (لقد أخطأ غاندي في فهم عقلية الرجل الإنجليزي المتوسط، إذا كان هذا الشخص وجد، ولهذا لم تفهمه الغالبية من الشعب البريطاني، فلقد اختلفت العقليتان كما يختلف القطبان شمالاً وجنوباً. . .
(ولم يكن غاندي كذلك بالشخصية الرسمية القوية العنصر، ومن هنا كان اختلافه عن ساسة الهند اليساريين، فقد كان دائماً يغتفر للرسميات خطاياها، وإن صح هذا في الهفوات، فإنه لا يصح في الخطايا قطعاً!
(وكان غاندي في نظر الرجل الإنجليزي فيلسوفاً ضالاً، أو الكاهن الرفيع المقهور. وعقلية الرجل الإنجليزي لا تقبل هذا الوضع، فلم تأبه له كثيراً، لأنها لم تفهمه.
(ولكن للإنجليز ذاكرة قوية. . . وإنهم ليذكرون ما فعل غاندي قديماً من أجل أبناء وطنه