للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المهضومين المدقعين الذين تدوسهم العلية من القوم، ويذكرون ما صنع في حرب البوير والزولو من عمل جليل وهو يرأس كتيبة الإسعاف الطبي.

(إلا أن غاندي احتل من تفكير الإنجليز ما يحتله كبار الإنجليز أنفسهم. والإنجليز تسوءه الحملات العنيفة على أمثال هؤلاء، لأنه يعتقد أنهم مخلصون، والإنجليز يرحب بالصراحة والإخلاص ويحترمها!

(ولقد استاء الرأي الإنجليزي العام من الحملات التي كانت توجه إلى غاندي في بعض جرائدهم، ومن الصور الهزلية التي تصوره قارحاً بلا أسنان، أصلع الرأس، مخلوقاً عريان إلا من ذلك اللباس التقليدي.

(والمسلمون والإنجليز يتفقون في هذه الناحية، فكلاهما يحترم الشخصيات الفذة، ويأنف من السخرية اللاذعة منها ومن مهاجمتها بلا اعتدال، على عكس الغربيين الآخرين.

(وكان غاندي الوطني، والفيلسوف، والداعية، مجهولاً من العالم كله، حتى اعتزم أن يعتزل المحاماة في جنوب أفريقيا، وينقلب مجاهداً وسياسياً قوياً. .

(وكان قبل ذلك قد رأى بعض أنحاء الدنيا، ورأى تعصب البيض ضد الملونين، وإن كان هذا خف اليوم إلى درجة ما!)

ولقد حورب غاندي كثيراً حتى الكسندر العظيم كان يساعد معارضي غاندي مساعدات مادية كبيرة، ليحدوا من نجاحه في الهند.

ولكن ذلك الناسك الهزيل استحوذ على ألباب الملايين من الهنود ببساطته الدينية المتناهية، فاحترموه ثم أحبوه ثم عبدوه واعتقدوا أنه شبه إله!

في سنة ١٩٢٢ سجن غاندي، ثم أطلق سراحه بعد عامين وفي تلك الأثناء كان معارضوه في حزب المؤتمر، وهم المعروفون باسم سواراجست، أكثر من أتباعه، وأحسن منهم تدريباً واستعداداً، وحضروا اجتماعاً لهم وعارضوا ما سموه دكتاتورية غاندي في حزب المؤتمر، ثم انسحبوا، فاعتبر غاندي هذا هزيمة له وانسحب. . .

وعلى الرغم من تلك الهزيمة، فقد كان لهذه اللفتة النفسانية البليغة أثرها في تقوية غاندي فقد جلس صامتاً، وأخذ يتحدث بعد قليل، ثم تكلم عن هزيمته، وعن حالة الهند المؤسية، ثم انحدرت دموعه على خديه وتتابعت سريعة. وهنا بكى جميع الحاضرين معه بدموع غزار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>