كالجوهر المفارق الذي للسرير أو لغيره من مجموع مادته وصورته - أو علة الإيجاد والتركيب والجمع بين المادة والصورة - وهي العلة الفاعلة أو الموجدة التي هي علة واحدة أو أكثر مما سبقها من العلل أعني أنها علة وجودها وليست علة عليتها أو معناها كالعلة الغائية التي من أحكامها أنها علة في ماهيتها لعلية العلة الفاعلة بالفعل، وأنها معلولة في وجودها للعلة الفاعلة هذه؛ لأن الفاعل أو الموجد إنما يتحرك لتحصيل هذا الغرض، فتصبح الغاية الأخيرة دافعاً أول له.
وعلى هذا فكل موجود - إذا نظر إليه في ذاته - ومن غير التفات إلى علله الموجدة، فهو بحيث يجب له الوجود في ذاته أو لا يجب، أي أن يكون واجب الوجود لذاته - كالحق القيوم - أو ممكن الوجود بحسب ذاته - كبقية الموجودات وما حقه في نفسه الإمكان فليس يصير موجوداً من ذاته، فإن وجوده أولى من عدمه لحضور شئ فيه أو غيبته، فممكن الوجود بذاته هو إذن واجب الوجود بغيره - أي أنه ممكن الوجود من حيث هو علة لغيره - ويستمر هذا التسلسل لا إلى غير نهاية، فإذا كان كل معلول لابد له من علة، والعلة إلى علة أسمى؛ فلابد من الوقوف إلى علة العلل أو العلة الأولى التي هي نهاية السلسلة وهي واجبة الوجود بذاتها - والتي هي علة كل وجود - وموجدة حقيقة كل وجود في الوجود، والعلة النهائية التي ليس قبلها علة.
وبيان ذلك أنه إذا كان لديك سلسلة آحاد من الموجودات كل واحد منها ممكن بذاته واجب بغيره، وظللت تترقى بهذه السلسلة، فأنت في النهاية بين إحدى ثلاث:
١ - إما أن ينتهي بك هذا الترقي أو هذه الطغمة من الموجودات إلى علة ليست معلولة - فتكون حينئذ واجبة بذاتها - وعلة هذه العلل - وتسمى حينئذ بواجب الوجود.
٢ - وإما أن يكون التسلسل إلى غير حد، بأن لا تجد في آحاد السلسلة علة غير معلولة، وحينئذ تكون علة هذه الآحاد خارجة عن جملتها، وتكون مغايرة لآحادها وواجبة بذاتها، إذ لو كانت غير ذلك لكانت واحدة من السلسلة.
٣ - أو يكون التسلسل دائرياً لا يتناهى - فتكون بعض الآحاد أو جملتها علتها جميعاً، فتكون معلولة لذاتها، ويصبح الجملة والكل شيئاً واحداً - وفي هذه الحالة لن تكون الجملة معلولة للواحد - لأنه هو معلول بها، ولن يكون بعضها هو العلة؛ إذ ليس بعضها أولى بهذه