العلة من غيره، والجملة لا تكون علة للآحاد، وإلا لم يحتج إليها مادام كل واحد في السلسلة معلولاً لما قبله علة لما بعده - فسقطت هذه الحجة - وبقيت سابقتاها التي لابد أن تنتهي في كليهما - مع التناهي في التسلسل أو اللاتناهي - إلى طرف خارج عنها - غير متقدم لها في الزمان - وهو علتها اللامعلولة - وهو واجب الوجود التي هي ممكنة به.
وبعد إذ فرغ الشيخ الرئيس من إثبات واجب الوجود في ذاته على هذا النحو، شرع في إثبات صفاته إيجابيها وسلبيها: كالوحدة وعدم الكثرة أو التركيب والانقسام، وعدم المشابهة أو الضدية، وأنه تعالى عاقل لذاته معقول لذاته، أي أنه عالم قيوم
ولإثبات وجود واجب الوجود، يقرر أن الأشياء قد تختلف بأعيانها وقد تتفق - والمختلفة بأعيانها قد تتفق في مقوماتها أو في أمر عارض لها، فينتج لدينا أربعة أقسام يهمنا منها النوع الأول من الأشياء: أعني المختلفة بالأعيان (بالذات أو الهوية المتفقة في مقوماتها (حدودها الرئيسية من جنس ونوع وبينها أمر تتفق فيه وآخر تختلف فيه اتفاقاً واختلافاً لازمين أو عارضين من جانب وجه الشبه أو وجه الخلاف، أما اللزوم فيما تتفق فيه كاشتراك الإنسان الناطق والحيوان الأعجم في الجنس (حيوان) فهو صحيح، وأما اللزوم فيما تختلف فيه لزوم النطق والعجمة في الإنسان أو الحيوان فمحال كذلك عروض ما تتفق فيه لما تختلف فيه جائز، وعروض ما تتفق فيه ليس بمنكر، كإطلاق الإنسانية على هذا الإنسان أو ذاك، فالعرضية هنا واضحة الجواز.
ومقدمة أخرى يسوقها فيلسوفنا للبرهنة على حدة واجب الوجود أي أنه يجوز أن تكون صفة ما كلية سبباً لصفة أخرى جزئية - فماهية الشيء أو فصله أو خاصته أو عرضه يمكن أن تكون سبباً لصفات أخرى فيما عدا الوجود - إذ الفرق بين الوجود وسائر الصفات أن هذه توجد بسبب الماهية، والماهية سببها الوجود. فما هو سبب لا يكون مسبباً - وما هو علة لا يصبح معلولاً، وما هو متقدم في الوجود لا يتقدم عليه غيره في الوجود. وللإمام الرازي على حجج ابن سينا هنا مناقشات ومحاكمات، وللطوسي على هذا الشارح الفاضل مآخذ واعتراضات. وجملة القول بعد هاتين المقدمتين أن واجب الوجود ما لم يتعين لم يكن علة لغيره، لأنه بغير هذا التعين لا يوجد في الخارج - وما شأنه ذلك يمتنع أن يكون موجداً لغيره، وتعينه ذاك إما أن يأتيه من كونه واجب الوجود - وحينئذ لن يكون