للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثمة واجب وجود غيره، وتثبتت وحدانيته؛ وإما أن يكون لأمر غير كونه واجب الوجود - فيكون حينئذ معلوماً - لأن وجوده يكون إذ ذاك من غيره، ويكون الوجود ماهية أو صفة لغيره، - وهو محال - هذا من حيث لزوم ما به الاشتراك وما به الاختلاف بين التعين والوجود الواجب، وبإتمام ذلك بتطبيق عروض وجوه الاتفاق ووجوه الامتياز بينهما - على حد تقسيمنا الرباعي السابق في المقدمة (كما تجد في شرح الرازي ص٢٠٥ والطوسي ٢٠٤ - ٢٠٦) ينتهي ابن سينا إلى فساد الثلاثة الأخيرة، وإثبات تعين واجب الوجود - وبالتالي وحدته - ذلك لأن الأشياء التي لها حد نوعي واحد - أي لا تطلق على كثيرين، وخصوصاً إن هي لم تكن في مادة - لم تتعدد أشخاصها، بل كان تعينها لازما لنوعها أو لشخصها وحده، وواجب الوجود ليس نوعاً يشترك فيه أشخاص، ولا جنساً تشترك فيه أنواع، ولا يقال على كثرة أصلاً

ومن هذا نرى أن واجب الوجود لا ينقسم في الكم ولا في المعنى؛ لا في الكمية ولا في الماهية، إذ لو تركبت ذاته من شيئين أو أشياء مجتمعة، لكانت هذه كلها أو آحادها أسبق منه في الوجود ومقومة له، ولكانت بالتالية علة وجوده، وهو كما قلنا ليس معلولاً ولا مركباً ولا منقسماً في الكم إلى أجزاء متشابهة، أو في المعنى إلى واجب وجود وماهية، بل هو جوهر بسيط غير متجزئ، وحتى وجوده ذاته ليس جزءاً من ماهيته أم متمماً أو مقوماً لها، فماهيته هي أنيته (وجوده الخاص الذي هو المبدأ لعامة الموجودات) وإنما المتكثر بالقسمة الكمية إلى مادة وصورة؛ وبالقسمة المعنوية إلى وجود وهيولي؛ فهو الجسم الممكن المحسوس الذي له من نوعه أشباه - ولا كذلك واجب الوجود، فإنه لا يشارك شيئاً من الأشياء الممكنة في ماهيتها أو جنسها أو نوعها، بل هو مستقل بذاته التي لا جنس لها ولا فصل - والتي من ثم لا يمكن تعريفها أو تصورها في العقل بحد، أو تصويرها في موضوع أو جوهر.

وكما أن الأول لا ندّ له ولا شبيه، ولا جنس له ولا فصل، ولا حد ولا تعريف، بل شهود وعرفان بالقلب والنظر؛ فلا ضد له كذلك، سواء أكان هذا الضد عند العامة المساوي في القوة المانع، وعند الخاصة المشارك في الموضوع المعاقب غير جامع: إذ الضد في الحالة الأولى معلول، ومثله لا ينهض ضداً للواجب الأول، وفي الحالة الثانية ليس للأول

<<  <  ج:
ص:  >  >>