على صلاحه. وليس العالم بالفقه فيه إلا كالعالم بأصول الحكم في هذه الأيام، يختار لحاجة المجتمع إلى هذه الأصول، ولا يختار لأن علمه يجعل الولاية حكراً له أو حقاً محصوراً فيه وفي طائفة من أمثاله.
وليس رأي المسلمين في صلاح الحاكم بمانع أن تكون أصول الشريعة التي يحكم بها من عند الله، وكل ما يمنعه أن يعتبر (الحق الإلهي) الذي ادعاه بعض ملوك أوربة وسيلة إلى إنكار حق الرعية في الشورى والرقابة على الحكومة. وقد أبى الإسلام هذه الدعوى فكانت سنته هذه مزية بين الأديان.
وقد أوضح الدكتور طه حسين هذا المعنى فقال يرد على القائلين بالثيوقراطية في الإسلام أنهم قد يرون:(أن الحكومة التي كانت تحكم المسلمين في هذا العهد إنما كانت تستمد سلطانها من الله، ومن الله وحده، لا ترى أن للناس شأناً في هذا السلطان ولا ترى أن من حقهم أن يشاركوا فيه أو يعترضوا عليه أو ينكروا منه قليلاً أو كثيراً).
فالواقع أن الإسلام لا يعترف للحاكم بحق إلهي يمنع الناس من حسابه والتعقيب على حكمه، وهذا الذي فهمناه من كتاب عثمان حين رجعنا إليه، فلا غبار في رأينا عليه.
أما كلمة عمر عن الأموال فقد عقبنا عليها في كتابنا عن عبقرية عمر فقلنا:(إنه لم يرد في كلامه تفصيل لهذه النية. ولكن الذي نعلمه من آرائه في هذا الصدد كان لاستخلاص ما كان ينويه. فعمر على حبه للمساواة بين الناس كان يفرق أبداً بين المساواة في الآداب النفسية والمساواة في السنن الاجتماعية. . ولم تكن المساواة في أدب النفس عند عمر مما ينفي التفاضل بالدرجات، ولم يكن يرضيه كذلك أن يعتمد الفقراء على الصدقات والعطايا، ويعرضوا عن العمل واتخاذ المهنة، فكان يقول لهم في خطبه: يا معشر الفقراء ارفعوا رؤوسكم فقد وضح الطريق، فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالاً على المسلمين. وكان يوصي الفقراء والأغنياء معاً أن يتعلموا المهنة، فإنه يوشك أن يحتاج أحدهم إلى مهنة وإن كان من الأغنياء. . . فيسوغ لنا أن نفهم من هذا جميعه معنى ما انتواه من أخذ فضول الغني وتقسيمه بين ذوي الحاجة، وهو تحصيل بعض الضرائب من الثروات الفاضلة وتقسيمها في وجوه البر والإصلاح).