وقد تلقينا كنباً أخرى في هذا السياق يسأل كتابها عن مواطن في كتاب عثمان لا نرى حاجة إلى تفسيرها، لأن إنعام النظر في الكتاب نفسه يغني عن ذلك التفسير.
على أننا نعتقد أن الذين يستقبلون كتاب عثمان بمثل هذا النقد لم يظلموه كما ظلمه المقرظون له بلسان التزلف والدهان، فإنهم يقولون فيه ما لا يقوله إلا عاجز عن التقدير الصحيح. وهو كاف لإعطاء الكتاب حقه من الثناء.
فهؤلاء العجزة عن التقدير الصحيح يزعمون أن الفتنة الكبرى لم تبحث على قواعد التاريخ أو على قواعد السنن الطبيعية قبل كتاب عثمان.
ومن جرأة الجهل أن يصدر مثل هذا الادعاء في هذه السنوات على التخصيص؛ لأن هذه السنوات قد ظهر فيها كتاب يسمى عبقرية الإمام، طبعت منه طبعات قبل ظهور كتاب عثمان، وترجم إلى اللغات الشرقية، وانتشر في جميع الأقطار الإسلامية، وقرأه عشرات الألوف من أقصى المشرق الإسلامي في الهند إلى أقصى المغرب الإسلامي في مراكش وإفريقية.
وفي هذا الكتاب كلام عن الفتنة الكبرى التي برزت في أيام عثمان ودامت إلى قيام الدولة الإسلامية.
وقد وصف عصر عثمان وقال:(إنه هو العصر الذي تكون فيه المجتمع الإسلامي بعد نشأة الدولة الجديدة، فيه نظام جديد على أساس الثروة المجلوبة من الأقطار المفتوحة، وعلى أساس الولايات التي تولاها بعض الطبقات المرشحة للرئاسة من العلية وأشباهها).
وأحصى الكتاب أسباب التذمر سبباً سبباً فقال في مسألة الثروة:(كثر المترفون من جانب وكثر المتربون من جانب آخر، وشاع بين الجانبين ما يشيع دائماً في أمثال هذه الأحوال من الملاحاة والبغضاء).
وقال عن قلق أبناء الولايات:(إن المتذمرين توافدوا من الولايات إلى المدينة مجندين وغير مجندين، وتولى زعامة المتذمرين في بعض الأحيان جماعة من أجلاء الصحابة كتبوا صحيفة وقعوها وأشهدوا فيها المسلمين على مآخذ الخليفة).
وقال عن التنافس بين العواصم (إن التنافس كان على أشده بين العاصمتين الحجازيتين وبين الكوفة، لا يرضي أهل المدينة بما يرضي أهل مكة، ولا يرضي أهل الكوفة بما